عمّت ربوع أميركا خلال اليومين الفائتين مظاهرات تحيي ما أسماه القائمون على تلك المظاهرات “عام على الإبادة وعام على المقاومة” وذلك مع حلول الذكرى الأولى لـ”طوفان الأقصى” والعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المحاصر.
وفي دالاس إحدى أكبر المدن بولاية تكساس، انطلقت مظاهرة حاشدة جابت شوارع وسط المدينة بحضور شرائح متنوعة شملت العرب والمسلمين والمكسيكيين والأميركيين ذوي البشرة السمراء والأميركيين البيض وعدد من السكان الأصليين، وغيرهم.
وفي إحدى الكلمات الرئيسية خلال المظاهرة، قال الدكتور عمر سليمان، وهو أحد الدعاة المسلمين المعروفين في أميركا، إن ثمة شيئا غريبا كامنا في إحياء الذكرى.
ففي أميركا وكندا مثلا، يقول سليمان إنه لا مشكلة لديهم في إحياء ذكرى السكان الأصليين والإبادة التي جرت لهم ووضع تماثيل كتذكار لما جرى، ما دام احتلال الأرض قائما، وما دامت هذه الذكرى أصبحت من الماضي، ولا يؤثر استدعاؤها على الواقع الحالي.
رسائل المظاهرات
وأضاف الشيخ سليمان أنه يفضل إحياء ذكرى التحرير، لا ذكرى المآسي، وأن يتم إحياء هذه الذكرى في مدرسة وائل الدحدوح للصحافة، ومدرسة هند رجب للإنسانية. وتابع أن التحرير يتطلب جهودا مكثفة من الجميع، وألا يتأثر الناشطون بما أسماه “ماكينة الدعاية الصهيونية” التي تحاول “تشويه حقنا” في الدفاع عن القضية الفلسطينية.
بدورها، قالت جيل ستاين المرشحة الرئاسية بالانتخابات القادمة، والطبيبة اليهودية التي رفضت منذ اليوم الأول الحرب الإسرائيلية على غزة، إنها فخورة بالمظاهرات المستمرة الداعمة للحق الفلسطيني، والتي لم تتأثر بالدعاية المضادة من مناصري الإبادة كما وصفتهم.
وأشارت ستاين -في كلمتها- إلى أهمية أن ينعكس هذا الحضور بالانتخابات القادمة، كي يعلم الحزبان الديمقراطي والجمهوري أنه ليس أمرا ضروريا أو محتوما التصويت لطرفين كل منهما يدعم الحرب الإسرائيلية على غزة، وأن هذه إحدى الوسائل الهامة لإيصال رسائل سياسية واضحة لا لبس فيها ستُثمر مستقبلا.
من جهته قال الدكتور حاتم بازيان الأستاذ في جامعة بيركلي بولاية كاليفورنيا “إن علينا أن نتذكر جميعا أن هذه الأرض (أميركا) ليست لنا، وليست لهم (المناصرين لإسرائيل) بل هي للسكان الأصليين الذي أبادتهم الآلة الاستعمارية الأميركية”.
وأضاف بازيان، الأميركي ذو الأصول الفلسطينية، أن الفلسطينيين هم أقدر الناس على فهم ما قاساه السكان الأصليون. وأوضح في كلمته أن على الفلسطينيين وكل حر يناصر القضية الفلسطينية أن يستمر في النضال، لأن هذه القضية -برأيه- لن تحرر فلسطين وحدها بل ستحرر العالم بأسره.
سياق المظاهرات
وتأتي هذه المظاهرات في سياق أكثر تركيبا في الجغرافيا الأميركية تحديدا، وذلك لعدة أسباب: أولها أن المتظاهرين يرون أن الإدارة الأميركية شريك في الحرب الإسرائيلية على غزة، وأن هذه الحرب تدار بأموال الضرائب التي يدفعها الأميركيون، وفق الدكتور بازيان.
وثانيها يتعلق بقرب الانتخابات الرئاسية مطلع نوفمبر القادم، مع ما يصحبها من نقاشات محتدمة واستقطابات كانت الحرب ضلعا أساسيا فيها في ظل دعوات مسلمين وعرب -آخرها بيان لمنظمة “مسلمون أميركيون لأجل فلسطين” وبيان لأكثر من 30 داعية أميركي مسلم- إلى عدم التصويت لمرشح دَعم الحرب الإسرائيلية على غزة، والتصويت لغيره ممن لا يدعمونها.
أما ثالث تلك الأسباب فهو حلول هذه الذكرى السنوية مع حرب أخرى يشنها الجيش الإسرائيلي على لبنان، بالتزامن مع استمرار الحرب على غزة.
ضغط مستمر
الطلبة كانوا حاضرين بصورة واضحة في المظاهرات بالولايات والمدن الأميركية. فقد حضر طلبة جامعة تكساس في دالاس، والتي شهدت اعتصاما في أروقة الجامعة في الفصل الفائت قبل أن تفضه الشرطة بالقوة.
ويقول أحمد أبو راس، المحامي ومسؤول مؤسسة “أميركيون مسلمون لأجل فلسطين” بولاية تكساس إن الإبادة الجماعية أبطلت ما حاولت الحركة الصهيونية في أميركا تحقيقه.
وأضاف أبو راس “لقد أنفقوا مئات الملايين من الدولارات لخلق رواية معادية للفلسطينيين بالولايات المتحدة. وتم استخدام تلك الحجج باستمرار في وسائل الإعلام لتبرير الإبادة الجماعية المستمرة”.
وأوضح أن “الجمهور الأميركي استيقظ على حقيقة مفادها أن حكومتهم وممثليهم يخدمون دولة أجنبية. فاللوبي الإسرائيلي لا يهتم بالأميركيين الذين بدأ كثير منهم تغيير مواقفهم، ونظرتهم للوبي الإسرائيلي ودوره المدمر في أميركا”.
وتابع المحامي قوله إن “الصهاينة عزلوا أنفسهم عن الساحة العالمية، وهي مسألة وقت فقط قبل أن ينهار نظامهم ومشروعهم الاستعماري بالكامل”.
بدورها قالت حنين إبراهيم، وهي طالبة بجامعة تكساس في دالاس، وإحدى أعضاء حركة الطلاب لتحرير فلسطين “إن اليوم يصادف مرور عام على حرب الإبادة، وعلى العرب والمسلمين القاطنين في أميركا دور مهم وأساسي خاصة أنهم يعيشون في البلد الأكثر دعما لإسرائيل في حربها”.
وتؤكد حنين أن ما يجري في فلسطين ليس حديثا، لكن هذه الحرب فتحت الأبواب للأميركيين لمعرفة حقيقة ما يدور منذ عام 1948، وأن على المسلمين والعرب دورا مهما في تثقيف الناس، وتوعيتهم لأجل إحداث تغيير حقيقي في المشهد الاجتماعي والسياسي الأميركي.
وتقول أيضا “كان لهذه التوعية أثر فيما شهدناه في مختلف أنحاء الجامعات الأميركية، كي يقفوا مع الحق الفلسطيني، وما زال أمامنا مهمة رئيسية كطلاب للضغط على الجامعات الأميركية من أجل سحب استثمارات هذه الجامعات من الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
ويصر الحضور على أن الاحتجاج المستمر والضغط على الجامعات والمؤسسات الداعمة لجيش الاحتلال الإسرائيلي هو أقل ما يمكن فعله في محاولة لإيقاف الحرب على غزة.
ويزداد زخم هذه الاحتجاجات وتأثيراتها في ظل الانتخابات القادمة، حيث تسعى حملة المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس لرأب الصدع مع المسلمين والعرب في ظل تقارب نتائج استطلاعات الرأي بينها وبين الجمهوري دونالد ترامب في الانتخابات القادمة.
ومع قدرة هذه الأصوات على تغيير النتائج في عدد من الولايات المتأرجحة مثل ميشيغان وويسكونسن وجورجيا وبنسلفانيا ومينيسوتا وأريزونا وفلوريدا، تزداد أهمية أصوات العرب والمسلمين.
زر الذهاب إلى الأعلى