الالغام الحوثية..خطر يتربص بارواح المدنيين سلماً وحرباً
كان مراد المروعي البالغ تسعة أعوام يقوم بجمع مخلفات وعلب ليتمكن من بيعها عندما انفجر به لغم تسبب في مقتله عند شاطئ في محافظة الحديدة في غرب اليمن الغارق في نزاع مسلح.
ويتذكر شقيقه يحيى (15 عاما) الذي كان يبعد أمتارا قليلة عنه، بتأثر ذلك اليوم في يناير الماضي حين ذهب الشقيقان للسباحة قبل جمع العلب عند الشاطئ.
ويروي يحيى الذي لا يزال يحمل مسبحة سوداء وجدها شقيقه مراد على الشاطئ، قائلا “لم أر سوى يده وساقه. اختفى مراد فجأة”.
وتشكل الألغام خطرا يتربّص باليمنيين على الدوام، خصوصا في الحديدة حيث يسيطر الحوثيون على مركزها وعلى الكثير من مناطقها الشمالية، فيما تخضع المحافظات الجنوبية فيها لسلطة الحكومة.
وقال وكيل وزارة حقوق الإنسان في الحكومة اليمنية نبيل عبدالحفيظ إن التقديرات تشير إلى أن الميليشيات الحوثية زرعت مليونين و300 ألف لغم، وأن نحو مليون و800 ألف لغم لا تزال مزروعة في مختلف المناطق التي دخلتها الميليشيات.
وأعلن مشروع “مسام” لتطهير الأراضي اليمنية من الألغام نزع أكثر من 329 ألف لغم في مختلف المناطق اليمنية منذ انطلاق المشروع عام 2018 وحتى نهاية مارس الماضي، باستخدام وسائل حديثة ومتطورة على يد 450 خبيراً في مجال نزع الألغام يشكلون 32 فريقاً في داخل اليمن.
ويقول والد مراد أحمد (50 عاما) إن أكثر ما جاهد لحدوثه هو “ألا يرى أحد من عائلته جسد مراد المبعثر”.
وأضاف “لففت أجزاء مقطعة من جسمه في بطانية وذهبت بها إلى إدارة البحث الجنائي لاستكمال إجراءات التحقيق. لم أغسله ولم أضعه في كفن (…) فقط دفنته ملفوفا بقطعة بلاستيكية. فكيف سيكون شعوري؟”.
ويشير الوالد إلى أن ابنه البكر يحيى الذي كان مع مراد لحظة انفجار اللغم “أصبح يعاني من اضطراب نفسي. وكذلك أصيب في أذنيه. الآن إذا سمع صوت دراجة نارية أو صوتا عاليا يصاب بالذعر ويظن أنه صوت انفجار لغم. أصبح يخاف من أي صوت انفجار”.
ويدور النزاع في اليمن منذ العام 2014 وتسبّب بمقتل مئات الآلاف من الأشخاص بشكل مباشر أو بسبب تداعياته، وفق الأمم المتحدة.
وفي مطلع شهر يونيو أعلنت الأمم المتحدة عن مقتل 19 مدنياً وإصابة 32 آخرين خلال الهدنة السارية في اليمن منذ أبريل والتي مدّدت لشهرين إضافيين مؤخرا، بسبب الألغام خصوصا أو العبوات الناسفة يدويّة الصنع أو الذخائر غير المنفجرة.
ووفقا لبيانات من منظمة “مشروع مراقبة الأثر المدني” غير الحكومية، تسببت مخلفات الذخائر بما في ذلك الألغام الأرضية والذخائر غير المتفجرة بمقتل 338 مدنيا حول العالم في عام 2021، بينهم 129 وفاة في اليمن.
وبحسب المنظمة المرتبطة بالأمم المتحدة، فإن منطقة الحديدة تتأثر بشكل خاص بالألغام.
ويقول الباحث في معهد الشرق الأوسط إبراهيم جلال إن “الانتشار العشوائي للألغام الأرضية في العديد من المحافظات يؤدي إلى مقتل العشرات من الضحايا كل يوم بمن في ذلك المزارعون والمسافرون والمدنيون بشكل عام”.
ويتابع “حياة الناس تواجه الكثير من عدم اليقين”، مشيرا إلى أن الألغام تحد من حرية التنقل وتعقد المساعدات الإنسانية التي تتطلب طرقات آمنة بالإضافة إلى تدمير البنى التحتية الهشة أساسا.
ووافقت الحكومة والحوثيون في مطلع الشهر الحالي على تمديد الهدنة شهرين إضافيين قبل ساعات من انتهاء مفاعيلها.
ويهدد خطر المجاعة الملايين من سكان اليمن، فيما يحتاج الآلاف وبينهم الكثير من سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلى علاج طبي عاجل غير متوفر في البلد الذي تعرّضت بنيته التحتية للتدمير. ويعتمد نحو 80 في المئة من سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة على المساعدات للعيش.
وفي مارس الماضي كان عبدو علي (23 عاما) في سيارة مع شقيقه وابنه وأولاد شقيقته في طريقهم إلى مدينة الحديدة.
وخلال الرحلة مروا بجوار قريتهم التي اضطروا للنزوح منها بسبب القتال، وقرروا تفقدها من أجل النظر في إمكانية العودة إليها، ولكن عبدو رفض ذلك وتركهم خلفه.
ويروي عبدو “لم تمر خمس دقائق حتى سمعت دوي انفجار. ركضت باتجاه الصوت وسمعت الناس يتحدثون عن سيارة مرت فوق لغم. شعرت بالخوف وتمنيت ألا يكونوا هم”.
ويتابع بأسى “لكن خلال ثوان سريعة، عرفت أنهم كانوا الضحايا وتوفوا جميعا”.
وليس من السهل نزع هذه الألغام وتفكيكها في فترة وجيزة وآمنة، إذ ارتفع عدد الخبراء الذين قتلوا أثناء مهامهم في نزع الألغام إلى سبعة منذ ديسمبر، وقتل أكثر من 30 خبيرا بينهم خمسة أجانب إضافة إلى 33 مصابا منذ انطلاق المشروع منتصف 2018.