الرئيسيــةتقـــارير
الصحافة الورقية..وخطر الانقراض في عدن
من المؤكد أن صناعة الورق قد تأثرت، مثل غيرها من الصناعات الأخرى، بالأزمات الاقتصادية والسياسية والعسكرية والصحية التي يشهدها العالم منذ نحو عشر سنوات. وبسبب ارتفاع أسعار الورق زادت تكلفة طباعة الكتب والصحف والمجلات الورقية. ونتيجة لذلك ارتفعت أسعارها. ونحن في بلادنا لم نعد قادرين فعلا على شراء الكتب والصحف والمجلات الورقية، حتى تلك المدعومة منها. وبسبب ارتفاع أسعار الورق توقفت معظم دور الطباعة في بلادنا، حتى مطبعة جامعة عدن التي كانت قد طبعت لي، سنة 2010، ألف نسخة من كتابي (جدة و عدن ومسقط في كتابات دي غوبينو، 180 صفحة حجم متوسط 17+24) بمئة وستين ألف ريال. واليوم عندما أريد أن أطبع واحدا من كتبي في عدن (بطريقة تصوير الأوفست) تبلغ التكلفة ثلاثمئة ألف ريال للمئة نسخة (وليس للألف نسخة 185 صفحة) وفي ورق أبيض خفيف حجم صغير 14+21.
وحتى في مصر، حيث توجد عشرات المصانع لإنتاج الورق، لم تعد دور النشر قادرة على طباعة كتب تتناسب مع القدرة الشرائية للقارئ ذي الدخل المتوسط. وهبط كثيرا مستوى حضورها في معارض الكتاب العربية والدولية.
والأمر كذلك بالنسبة للصحف اليومية؛ فجميعها لا تغطي قيمة ما تبيعه من نسخ ورقية حتى نصف تكلفة طباعتها. فحتى (صحيفة 14 أكتوبر)، التي تحظى بدعم حكومي، اضطرت إلى تقليص عدد صفحاتها إلى النصف، وأصبحت تحذف من معظم أعدادها الصفحة الثقافية وتضع محلها الإعلانات والصفحات الرياضية، المحلية والدولية. وكذلك الحال في (صحيفة الأيام)، فقد توقفت منذ سنوات عن نشر بابها الثقافي الشهير (الأدب الجديد)، وأكد لي باشا باشراحيل أن سبب ذلك يعود إلى هبوط عدد القراء للصفحة الثقافية، في الطبعات الورقية والرقمية، إلى صفر. وتغيب كذلك الصفحة الثقافية في (صحيفة عدن الغد)، التي تركز على كل ما يمكن أن يجذب القارئ وبالتالي المعلنين الذي يغطون جزءا كبيرا من تكلفة طباعة النسخ الورقية محدودة العدد من الصحيفة.
وفي الحقيقة يواجه القائمون على الصحافة الورقية تحدي انخفاض عدد القراء للصفحات الثقافية وبالتالي ضعف المردود وانسحاب المعلنين نحو الإعلام الرقمي الأقل كلفة والأكثر انتشارا اليوم، وذلك على مستوى العالم وليس فقط في بلادنا.
وإضافة إلى كساد سوق الكتاب الورقي والصحف الورقية أصبحت المجلات تعاني هي الأخرى من تراجع كبير في صدورها وأنشطتها، ففي السنوات الأخيرة أغلقت في العالم العربي مجلة (الآداب) التي صدر عددها الأول مطلع سنة 1953 في لبنان، ومجلة (دبي الثقافية) التي بدأت في الصدور سنة 2004 مجلة الكواكب المصرية: يعود تاريخ تأسيسها إلى العام 1932. وتوقفت العام الماضي مجلة (الدوحة) القطرية. وفي بلادنا توقفت منذ أشهر مجلة (فنار عدن الثقافية) بعد صدور ثلاثون عدد منها، وذلك بسبب غياب المصادر المالية والأوضاع الاقتصادية وارتفاع أسعار الورق وتكلفة الطباعة.
إضافة إلى ذلك يبدو أن القارئ العربي المطحون بتردي أوضاعه المعيشية أصبح يبتعد عن القراءة والأنشطة الثقافية شبه الغائبة في حياتنا بشكل عام، مع بعض الاستثناءات القليلة في بعض المدن، كالشحر مثلا.