استطلاع: مريم بارحمة
في ظل التحديات المتزايدة التي يواجها النظام التعليمي، تظهر ظاهرة الغش في المدارس ليست مجرد سلوك فردي يتعارض مع الأخلاق والقيم التعليمية، بل سلوك يؤدي إلى احباط الطلبة المتفوقين والتجهيل، فهذه الظاهرة لا تقف عند حدود تقويض مصداقية الشهادات التعليمية والنظام التعليمي وجودة التعليم فحسب بل تمتد إلى تكريس ثقافة التحايل بين الأجيال الناشئة، ويصل تأثيرها إلى ضعف الكفاءات البشرية، وتراجع الابتكار، وزيادة الاعتماد على الطرق غير الشرعية لتحقيق الأهداف. ومع تفاقم هذه المشكلة التي تعكس جوانب عميقة من التحديات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية التي تواجه المجتمعات. كما أنها عقبة حقيقية تعرقل تحقيق التنمية المستدامة والتقدم.
وانتشرت ظاهرة الغش في الامتحانات بالجنوب بعد الوحدة عام 1990م بطريقة ممنهجة ومدروسة من أجل تجهيل الاجيال وتخلف وتدهور المجتمع.
في هذا الاستطلاع الصحفي، نستضيف نخبة من ذوي الاختصاص في التربية والتعليم وأولياء الأمور وإعلاميين لنستمع إلى آرائهم ومقترحاتهم حول كيفية معالجة هذه الظاهرة. ونتناول معهم دور المجتمع وأولياء الأمور في مجابهة الغش وتعزيز ثقافة النزاهة بين الطلبة، ونسلط الضوء على تأثير الغش على جودة التعليم ومصداقية شهادات الثانوية العامة. كما نناقش التحديات والصعوبات التي تواجه جهود مكافحة الغش في العاصمة عدن ومحافظات الجنوب، ونستكشف حقيقة السياسات المستقبلية التي تعتزم وزارة التربية والتعليم تطبيقها للحد من تفشي هذه الظاهرة. ونستعرض كيفية استغلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي؛ لتعزيز الوعي حول أضرار الغش وأهمية النزاهة في الامتحانات، خاصة في مرحلة الثانوية العامة.
-تشويه القيم
البداية مع الأستاذة نسرين علي صالح البغدادي، مُدرسة مُحاضرة في قسم التاريخ، كلية صبر للعلوم والتربية، جامعة لحج، تتحدث عن تأثير ظاهرة الغش في جودة التعليم ومصداقية شهادات الثانوية العامة قائلة:” الغش يُعد من الآفات الاجتماعية التي تضرّ بالمجتمع وتشوّه قيَمه ومنها التعليمية، أحد أنواع الغش هو الغش في الامتحانات، سواء في المدرسة أو الجامعة، أو أي اختبار يتحدد من خلاله مستوى الطالب العلمي أو العملي، والغش في الامتحان هو الاعتماد على جهود الغير وسلبها منه إما بإرادته أو رغماً عنه، من أجل الحصول على درجات أعلى وتحقيق النجاح لكن دون وجه حق. تُعد ظاهرة الغش في الامتحانات ظاهرة سلبية منتشرة في مدارسنا، وهي من أكبر المشاكل التي يواجها التعليم والمعلّمين، وأكثرها تأثيراً على الطالب وعلى المجتمع، إذ غالباً ما يجتمع الغش مع سلوكيات سلبية وأخلاق ذميمة أخرى، مثل الكذب والخداع والسرقة، ونحن بصدد ظاهرة انتشرت بين الصفوف الطلابية في المراحل الدراسية كالثانوية والجامعية، ولا يمكننا الخوض عن مسببات ودوافع هذه الظاهرة، ولكننا نختصر الحديث عن النتائج التي تتلخص في رداءة المخرجات الدراسية، وما يمتلكه طالب الثانوي على سبيل المثال من معدل خيالي نتج عن الغش، تؤهله لنيل تخصصات علمية قد يعجز عن دراستها أو ربما يتبع مرة أخرى نهج الغش لينال أعلى الشهادات، وجودة التعليم مهدده؛ لأن المحصلة والأمانة التعليمية والجهد المطلوب لا يساوي شيئًا وبالتالي هذا ينعكس في مصداقية الشهادات الموهوبة للطلبة، والتي فقدت قيمتها كنتيجة حتمية لتفشي هذه الظاهرة التي تأبى المجتمعات الجادة والواعية لماهية العلم والتعلم أن تسمح لمثل هذه الظاهرة بالتفشي”.
-لم تضع الوزارة خطة استراتيجية
الدكتورة حفيظة صالح ناصر الشيخ، القائم بأعمال الأمين العام للجنة الوطنية اليمنية لليونسكو:” في حدود علمي أن وزارة التربية والتعليم لم تضع في يوم ما خطة أو استراتيجية سواء قريبة الأمد أو متوسطة أو طويلة الأمد لمحاربة هذه الظاهرة، حتى أن ظاهرة الغش لم تناقش في اجتماع مجلس الوكلاء كمشكلة تربوية تؤثر على مستوى التحصيل الفردي للطالب ولابد من وضع التصورات العاجلة والفاعلة للقضاء عليها، ظاهرة الغش هي دائرة صغيرة مرتبطة بالارتباك العام في أداء الحكومة سواء على مستوى الوزارات أو حتى على مستوى الأطر العليا للحكومة. نحن لا نلمس على أرض الواقع حلولاً جذرية للمشاكل التي يعاني منها المجتمع سواء اقتصادياً أو أمنياً أو اجتماعياً أو ثقافياً أو علمياً… نسمع جعجعة ولا نرى طحينا في كل هذه الملفات. وظاهرة الغش بما انها دائرة صغيرة في محيط الفساد العام للحكومة لن تعالج إلا في إطار نهضة تنموية شاملة وصادقة تمس كل المرافق الحكومية كبيرها وصغيرها؛ لأن معالجة أي ظاهرة بشكل منفرد قد تتخلله صعوبات وعوائق تؤدي إلى فشل هذه المعالجة والعودة إلى ممارسة الخطأ بأبشع صورة”.
-ظُلم للطالب المجتهد
بينما الأستاذة ابتسام عبداللَّه علي، معلمة ومراقبة في امتحانات الثانوية العامة، توضح دور المجتمع وأولياء الأمور في مجابهة ومحاربة ظاهرة الغش وتعزيز ثقافة النزاهة بين الطلبة قائلة :” الغش في الامتحانات من المشكلات الكبيرة التي تواجهنا في المجتمع حيث يتخرج الكثير من الطلاب بالغش، ويُعد الغش شيء محرم قال عليه الصلاة والسلام :”ومن غشنا فليس منا”، والغش في الامتحانات بالمدرسة والجامعة من المشكلات الصعبة التي تواجه المدرسين والطلاب ولكن تأثيرها الأكبر يكون على الطلبة ويؤدي إلى نشر السلوكيات السيئة والغش هو خداع المدرسين وخداع للنفس حيث يحصل الطالب على درجات عالية لا يستحقها، فهو تصرف سيئ يؤدي إلى اكتساب عادات سيئة، كما يُعد الغش ظلم للطالب المجتهد والمثابر والحاصل على درجات عالية”، مضيفة بالقول:” وتكمن أسباب الغش ب:
-عدم ثقة الطالب بقدراته الدهنية
-وجود مشكله في فهم المادة التعليمية
-استهتار الطالب بالمواد التعليمية والدراسة.
– عدم الخوف من الله وقله الايمان .
وتقترح الأستاذة ابتسام لتخلص من ظاهره الغش:
-تربية الأبناء على الأخلاق القيمة وإدراكهم ان الله يراهم دائما.
– عمل اجتماع من اجل الآباء والأمهات بهدف زيادة الوعي من أجل التخلص من هذه المشكلة.
-تشجيع الطلاب على الدراسة من خلال معرفة المشكلات التي تواجه الطالب في المواد التعليمية.
-الغش سلاح مدمر
بدورها الأستاذة نادرة مصطفى حنبلة، رئيس اللجنة التحضيرية لاتحاد نساء الجنوب بالعاصمة عدن تفند التحديات والصعوبات التي تواجه جهود مكافحة الغش في امتحانات الثانوية العامة بالعاصمة عدن ومحافظات الجنوب بقولها: “ظاهرة الغش في امتحانات الثانوية العامة تشكل خطورة كبرى على المجتمع وتعد أشد فساداً وسلاح مدمر لبناء المجتمعات محاولات كثيرة دأبت عليها مدارسنا في الفترة الأخيرة لمحاربة الغش، لكن تلك المحاولات قليلاً ما تصيب واكثرها تخيب فهي مرتبطة بسوء الإدارات والمناهج الدراسية وانتشرت بشكل واسع فأصبح ولي الأمر مشاركاً فاعلاً، وأكثر ما يعيق محاولات القضاء على الغش:
1-انقطاع التيار الكهربائي لا يسهم في تحسين المذاكرة، وكذلك ظروف الصيف الحار.
2-غياب المدرس الكفؤ واكتر الأحيان يكون مدرس بديل.
3- عدم توفر الكتاب المدرسي بيد الطالب.
4- أساليب إدارة العملية الدراسية لا تتناسب تماما مع مفرزات الأحداث.
5- ضعف الوازع الديني ونقص فاعلية ولي الأمر بل هو أول المشاركين في عملية الغش.
6- غلاء المعيشة لا يمكن ولي الأمر من متابعة تدريس ولده والاهتمام به كثيرا. وبقاء الحياة في محافظات الجنوب غير مستقر فلا حرب ولا سلم كل ذلك يعكس عدم الاستقرار النفسي والمعنوي ويؤدي بلا شك إلى العزوف عن التعلم ويعيق التحصيل العلمي الصحيح هذه بعض من كم”.
-تدخل الأحزاب اليمنية
فيما تضيف الأستاذة لويزا اللوزي، رئيسة التعليم العام، نائبة مدير التربية بالحوطة محافظة لحج :” الغش ظاهرة دخيله على شعب الجنوب فهي من ضمن سياسة التجهيل والتخلف والفشل التي انجبته هذه الوحدة لشعب الجنوب؛ لخلق جيل غير قادر على البناء والتنمية لوطنه الجنوب”، مضيفة:” السبب الرئيسي لتدهور التعليم بالجنوب تدخل الأحزاب السياسية اليمنية بالعمل التربوي وهذا ما ثبته دراسة علمية أُجريت لمعرفة التحديات والمعوقات التي واجهت التعليم بالجنوب وحصل هذا السبب على نسبة 90% واحتل المرتبة الأولى بالأسباب”.
-تفعيل الحملات الإعلامية
ويتحدث الصحفي والناشط السياسي الأستاذ أحمد علي مقرم، عن كيفية استغلال وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لتعزيز الوعي حول أضرار الغش وأهمية النزاهة في الامتحانات وخاصة الثانوية العامة قائلاً:” يمكن استغلال وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي لتعزيز الوعي حول أضرار الغش في الامتحانات من خلال تفعيل الحملات الإعلامية ونشر القفشات التوعوية الهادفة، والتحذير من المآلات والسلبيات المترتبة سلباً بالمستقبل في نفوس الطلاب. ويجب على أقسام الإعلام التربوي في المحافظات والمديريات التركيز على هذا الأمر وتفعليه بما يضمن تحقيق نتائج إيجابية للحد من هذه الظاهرة الخبيثة التي افسدت مجتمعات بأكملها”.
زر الذهاب إلى الأعلى