الرئيسيــةتقـــارير
حملة تحريض إخوانية ضد منظمات إنسانية باليمن
في شارع جمال بقلب مدينة تعز اليمنية، وقف شاب لحيته كثيفة يطلب من المارة بالشارع المزدحم توقيع على حزمة أوراق بيده، ما شد انتباه البعض.
من بين هؤلاء تقدم رجل سنطلق عليه اسما مستعارا ليكن “محمد المخلافي”، واقترب من الشاب الذي تبدت ملامح التدين على هيئته، وطلب منه إحدى الأوراق، لكنه صدم بعد أن رأى محتواها الذي يتضمن تحريضا خطيرا ضد المنظمات الإنسانية.
رفض المخلافي التوقيع على الأوراق، وحذر الشاب من خطورة نشر خطاب الكراهية والتحريض المباشر ضد الوكالات الدولية، وحاول أن يفهمه أن هذا الأعمال يخدم على نحو مباشر مليشيات الحوثي التي تجتهد لعرقلة عمل تلك المنظمات وتعتقل العاملين بها.
الحوثي وقمع العمل الإنساني.. اختطاف موظفي الإغاثة يفاقم محنة اليمن
إلا أن الشاب قال غاضبا إن العريضة التي يجمع لها التوقيعات تستهدف الضغط على السلطات من أجل طرد المنظمات الدولية واتهمها بـ”مخالفة الشرع، وتنفيذ برامج تنتهك سيادة البلاد وتمسخ المرأة اليمنية، كما تطالب العريضة أيضا وضع حد “للمنكرات الحادثة في مدينة تعز”.
تحرك المخلافي من فوره وأبلغ الجهات المعنية في تعز لوقف التحريض المنفلت ضد المنظمات العاملة في المجال الإنساني، وقال إن “انتشار متشددين للتحريض في شوارع المدينة (ضد تلك المنظمات) يقوض تعهدات قطعتها الحكومة المعترف بها للأمم المتحدة والمنظمات الدولية بتوفير بيئة آمنة لأعمالها”.
ضبط وهجوم مضاد
في تأكيد لحديث المخلافي الذي يعمل ناشطا في المجال الإنساني، قال مصدر أمني، فضل عدم كشف هويته لـ”العين الإخبارية” إن “الأجهزة الأمنية في تعز تلقت بالفعل أكثر من بلاغ من مواطنين عن انتشار عناصر متشددة تقوم بجمع توقيعات على عريضة عليها عدد من المطالب والقيود المتشددة من بينها الحض على طرد المنظمات وتقيد الحريات خاصة ضد المرأة ومنع الاختلاط في أماكن عامة”.
وبحسب المصدر، فإن الأجهزة الأمنية في تعز “تحركت بناء على البلاغات وتوجيهات مسؤولين وضبطت عددا من هؤلاء الأشخاص الذين انتشروا في شوارع مختلفة من مدينة تعز وأحالتهم لجهات التحقيق تمهيدا لتحويلهم للقضاء”.
وأضاف “بعد ضبط العناصر لاحظنا هجوما مضادا وشرسا يقوده رجال دين نافذين من حزب الإصلاح الإخواني، من على منابر المساجد، ضد أجهزة الأمن، وتضمنت هذه التهديدات رسائل مبطنة تعلن تحدي السلطات في وقت تعيش المدينة استنفارا أمنيا غير مسبوق لمواجهة خلايا دفعها الحوثيون مستغلين فتح معبر بين المدينة والحوبان”.
ويأتي إطلاق الإخوان لحملة جمع توقيعات لطرد المنظمات بعد مرور عام كامل على اغتيال رئيس فريق برنامج الغذاء العالمي في التربة جنوبي المحافظة، الأردني مؤيد حميدي، في جريمة هزت البلد ولاقت تنديدا عربيا ودوليا وأمميا.
اعتراف إخواني
وكان مقربون من رجل الدين الإخواني المتشدد عبدالله العديني اعترفوا على حسابتهم في مواقع التواصل الاجتماعي بوقوفهم خلف “حملة جمع التوقيعات في شوارع تعز”، وزعموا أنهم جمعوا خلال 23 يوما فقط توقيع قرابة 33 ألف شخص وأن الحملة مستمرة لجمع مئات الآلاف.
وقال رجل دين في تعز لـ”العين الإخبارية” إن عريضة التحريض ضد المنظمات المبطنة بغطاء دعم الجبهات وتوفير الخدمات يقف خلفها ويشجعها قيادات إخوانية متشددة يتقدمهم عبدالله العديني ونجله عبدالسلام، وأحمد مقبل بن نصر، وفاضل محمد عبدالله، وأمين بن عبدالله جعفر، وعلي القاضي.
وأوضح أن العريضة الإخوانية تضع مطالبا وتروج لاتهامات بلا أدلة ولا سند قانوني، وتسعى للبحث عن مشروعية، وحشد الشارع للضغط على السلطة المحلية في تعز والمسؤولين فيها لفرض أيديولوجيا الإخوان والتي تنظر للعمل الإنساني باعتباره أمرا”منكرا” يستوجب وقفه وتحظر أي أدوار نسوية حتى في التعليم.
ثقافة كراهية متأصلة
وتركز عريضة التحريض الإخوانية على المنظمات رغم أنها تتضمن وضع محظورات عدة من بينها إغلاق وحدة حماية المرأة في جامعة تعز، والمطالبة أيضاً بمنع إقامة الاحتفالات الوطنية والثقافية، وعروض المهرجانات الرسمية التي تقام في المدارس والجامعات، ومنع الفعاليات المسرحية والفنية بمختلف مناطق المحافظة.
كما تضمنت العريضة التي حصلت “العين الإخبارية” على نسخة منها، معارضة قرار الحكومة اليمنية، والدستور اليمني، الذي ضمن حق المرأة بالحصول على الجواز دون أي وصاية، فضلا عن المطالبة بمنع اختلاط الذكور والإناث في أي مكان.
مدينة تعز.. عاصمة الثقافة اليمنية
وتقول منى عبدالجليل وهي طالبة في جامعة تعز إن “ما يحدث من تحريض وتشويه للمنظمات عبر الحملات الإخوانية، يؤدي إلى خلق ثقافة الكراهية والعنف الدموي ضد هذه الوكالات التي تعمل في المجال المدني والإغاثي والتنموي، وعدم تقدير الأهمية التي تقوم بها هذه المنظمات”.
وأضافت لـ”العين الإخبارية” أن “استمرار تلك الحملات التحريضية، قد يدفع الكثير من المنظمات والمؤسسات التنموية إلى إغلاق مقارها وإيقاف أعمالها مما ينعكس أضراره على المواطنين خاصة شريحة الفقراء الذين تساهم المنظمات في تأمين جزء من احتياجاتهم الغذائية”.
عواقب وخيمة
وحذر ناشطون يمنيون من العواقب الوخيمة للتحريض الإخواني الذي يقوده المتشددين خاصة أتباع عبدالله العديني، مؤكدين أنها تعيق قدرة المنظمات على تقديم الخدمات في المجال الإنساني والإغاثي بتعز، ما يهدد آلاف الأسر التي تعتمد على المساعدات في الحصول على احتياجاتها من الغذاء في ظل حرب مليشيات الحوثي.
كما ستؤدي أعمال التحريض في الشارع ومواقع التواصل الاجتماعي إلى حرمان العديد من النساء من الحصول على الخدمات في كافة المجالات وتحد من قدرتها على مواصلة خدمة هذه الفئة الأضعف، مما يزيد من تفاقم التميز ضد المرأة وتعرضها لأنواع العنف والاضطهاد المختلفة.
وأشار النشطاء إلى أن حملة جمع التوقيعات الإخوانية تزامنت مع حملة الحوثيين لاختطاف موظفي المنظمات في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرتها، حيث اعتبروا أن تلك الأفعال تتوافق في المسار والمضمون مع ما يقوم به الحوثي والذي يهدف لترويع المنظمات الدولية والمحلية، واستغلال منابر المساجد لتبرير تلك الأفعال.
ويرى الباحث الاجتماعي والمحلل السياسي صلاح عبدالواحد، أن العديد من القيادات المعتقة في حزب الإصلاح، رافعة تنظيم الإخوان، يستغلون المساجد ومنابرها للحشد والتعبئة ضد الأنشطة المدنية والإغاثية وعمل منظمات المجتمع المدني، تحت مبررات واهية.
وقال عبدالواحد لـ”العين الإخبارية”، إن “هذه القيادات التي يتصدرها الإخواني المتشدد عبدالله العديني، ورغم تحريضه الواضح على عمل المنظمات وموظفيها وصولاً إلى الخوض بأعراض الناشطات المدنيات، لم يتخذ ضدها إجراءات قانونية حاسمة مع الأسف”.
وأضاف أن “التحريض المتواصل المصبوغ بالخطاب الديني يخلق حالة تشنجيّة لدى بعض المندفعين من الشباب، واعتقد أن الخطورة بدأت تظهر إلى السطح بحملة التوقيعات المطالبة بطرد المنظمات وموظفيها وإيقاف أنشطتها”.
مخاطر وآثار
من جهته، قال الناشط الحقوقي يزن محمد، إن “المنظمات التي تستهدف خدمة النساء في مدينة تعز، تواجه منذ فترة طويلة حملات تحريض ممنهجة قد تعرض سلامة العاملين فيها لمخاطر كبيرة”.
وأضاف في حديثه لـ”العين الإخبارية”، أن هذه “الحملات التحريضية تأتي في سياق التضييق العام على حرية التعبير والعمل المدني وتقديم المساعدات الإغاثية”.
وتتخذ هذه الحملات -وفقاً للمحامي يزن- ضد المنظمات الدولية والمحلية العاملة بالمدينة أشكالاً متعددة، أبرزها، التشهير والقمع والقدح من خلال نشر معلومات كاذبة ومضللة عن المنظمات والعاملين فيها على وسائل التواصل الاجتماعي، بهدف تشويه سمعة هذه المنظمات.