خصصت الولايات المتحدة وحلفاؤها ما يقرب من 81 مليار دولار لتطوير الجيل القادم من أشباه الموصلات. ووفقا لبلومبيرغ، يعد هذا الاستثمار الإستراتيجي جزءًا من مبادرة عالمية أوسع، حيث خصصت الحكومات في جميع أنحاء العالم ما يقرب من 380 مليار دولار لتعزيز قدرات الإنتاج المحلية في الشركات الكبرى مثل شركة “إنتل” وشركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات (تي إس إم سي).
ويمثل هذا التدفق الهائل من الأموال منعطفا حاسما في المواجهة التكنولوجية المستمرة مع الصين، والتي تهدف -وفقا للوكالة- إلى تأمين ميزة تنافسية في صناعة أشباه الموصلات العالمية.
مسار خطير في المنافسة التقنية
وأوضح جيمي غودريتش، أحد كبار مستشاري التكنولوجيا الإستراتيجية لشركة “راند”، خطورة هذه المنافسة قائلا “ليس هناك شك في أن الرصاصة انطلقت من حيث المنافسة التكنولوجية مع الصين، وخاصة في مجال أشباه الموصلات. لقد جعل الجانبان هذا الأمر أحد أهم أهدافهما الوطنية الإستراتيجية”.
وترى بلومبيرغ أن هذا الأمر يؤكد على المخاطر الكبيرة التي تنطوي عليها المعركة، ويسلط الضوء على أهمية أشباه الموصلات ليس فقط في مجال التكنولوجيا، ولكن باعتبارها حجر الزاوية في الأمن القومي والازدهار الاقتصادي.
حصص مواجهة أشباه الموصلات
وأكد النقص العالمي في الرقائق أثناء وباء كورونا على الدور الكبير الذي تلعبه أشباه الموصلات في الحفاظ على الأمن الاقتصادي والريادة التكنولوجية.
وتهدف الاستثمارات الحالية إلى معالجة العديد من التحديات الرئيسية، وأهمها تنشيط المشهد التكنولوجي الأميركي، وتأمين ميزة تنافسية في المجالات الناشئة مثل الذكاء الاصطناعي، والحفاظ على الاستقرار الجيوسياسي، وخاصة فيما يتعلق بتايوان.
ولا تعد هذه الرقائق جزءًا لا يتجزأ من الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية فحسب، بل أيضًا من التقنيات الإستراتيجية التي ستحدد العلاقات الدولية والهياكل الاقتصادية المستقبلية، وفق تعبير بلومبيرغ.
التعبئة المالية في أميركا
واتخذت الولايات المتحدة خطوات جريئة لاستعادة ريادتها في تصنيع أشباه الموصلات. ومن الأمور المركزية في هذا الجهد قانون الرقائق والعلوم لعام 2022 والذي أصدره الرئيس جو بايدن ويخصص 39 مليار دولار في شكل منح لصانعي الرقائق، على أن تكملها القروض والضمانات والإعفاءات الضريبية الكبيرة.
ويشكل هذا التشريع العمود الفقري لإستراتيجية أميركية لتعزيز الإنتاج المحلي لأشباه الموصلات المتقدمة، وفقا لبلومبيرغ، بهدف توليد فرص عمل كبيرة وتأمين السيادة التكنولوجية.
الاستجابة العالمية والتنافس
لا يتخلف الاتحاد الأوروبي وآسيا كثيرا في سباق التسلح التكنولوجي هذا، فقد أطلق الاتحاد الأوروبي مبادرة هائلة بقيمة 46.3 مليار دولار تهدف إلى توسيع قدرته على تصنيع أشباه الموصلات. وعلى الرغم من التحديات في التمويل والموافقات التنظيمية، فإن الطموح الذي تبدو عين أوروبا عليه هو الاستحواذ على 20% من الإنتاج العالمي لأشباه الموصلات بحلول عام 2030، كما تقول الوكالة.
وفي آسيا، تعمل اليابان والهند على زيادة استثماراتهما، حيث تخصص طوكيو أموالا كبيرة لمشاريع “تي إس إم سي”، في حين تدعم نيوديلهي مشروع مجموعة “تاتا” في تصنيع الرقائق.
قلق الإفراط في الإنتاج
ومع اندفاع الدول إلى زيادة قدراتها في مجال أشباه الموصلات، يحذر خبراء الصناعة من المخاطر المحتملة. إذ أشارت سارة روسو المحللة في بيرنشتاين، في حديث لبلومبيرغ، إلى أن “كل هذا الاستثمار في التصنيع المدفوع بالاستثمار الحكومي وليس الاستثمار المدفوع بالسوق في المقام الأول، يمكن أن يؤدي في النهاية إلى وضع حيث لدينا قدرة أكبر (على الإنتاج) مما نحتاج إليه”. ويمكن أن تؤدي هذه القدرة الفائضة إلى تشوهات اقتصادية كبيرة وعدم كفاءة في سوق أشباه الموصلات العالمية.
تحركات الصين المضادة وضوابط التصدير
وفي خضم هذه التطورات، تشير بلومبيرغ إلى أن الصين تعمل بقوة على تعزيز قدراتها في مجال أشباه الموصلات، وخاصة في الرقائق القديمة والبدائل المحلية للتكنولوجيات الغربية المتقدمة.
من جهتها، قالت وزيرة التجارة الأميركية جينا ريموندو خلال زيارتها الفلبين “لا يمكننا أن نسمح للصين بالوصول إلى التكنولوجيا الأكثر تطورا لدينا لتحقيق تقدمها العسكري”.
حرب تقنية تلوح في الأفق
وتسلط الاستثمارات والمناورات الإستراتيجية الجارية في صناعة أشباه الموصلات الضوء على المنافسة التكنولوجية والجيوسياسية الأوسع بين الولايات المتحدة والصين، والتي من المرجح أن تتصاعد بغض النظر عن القيادة الرئاسية الأميركية.
ولا تتعلق هذه المعركة حول أشباه الموصلات بالتفوق الاقتصادي والتكنولوجي فحسب، بل إنها تتشابك بعمق مع الأمن القومي والاستقرار العالمي ومستقبل العلاقات الاقتصادية الدولية.
المصدر : بلومبيرغ
زر الذهاب إلى الأعلى