تعوّل الأوساط الأميركية والأوروبية على إتمام تنفيذ رصيف غزة البحري في إنفاذ المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة المُحاصر منذ السابع من أكتوبر، وخاصة بعد إغلاق السلطات الإسرائيلية لمعبري كرم أبو سالم ورفح الحدودي مع مصر، تزامنًا مع بدء عملية لاجتياح مدينة رفح التي أثارت تخوفات واسعة بشأن تدهور الأوضاع الإنسانية.
وأعلنت الولايات المتحدة إنها ستبدأ قريبا في تشغيل الرصيف البحري لتلقي المساعدات، لكنها مع ذلك تواجه أزمة جديدة تتمثل في توزيع تلك المساعدات على المناطق المختلفة داخل غزة، مما يمثل اختبارا لوعد الرئيس جو بايدن بتخفيف الأزمة الإنسانية في القطاع الفلسطيني.
واعتبر مسؤولون أميركيون سابقون ومحللون في حديثهم لموقع “سكاي نيوز عربية”، أنه على الرغم من الأهمية المضافة التي يقدمها الرصيف البحري لإدخال مزيد من المساعدات إلى غزة، لكنه لن يكون بمقدوره منفردًا علاج الأزمة الإنسانية الراهنة، في خضم إغلاق معبر رفح الحدودي بين القطاع ومصر، والذي كان له دور رئيسي في إدخال المساعدات، معتبرين في الوقت ذاته أن الإدارة الأميركية ستكون أمام تحدٍ حقيقي لتنفيذ تعهداتها بحل تلك الأزمة.
ماذا هو الرصيف البحري؟
سيكون افتتاح الرصيف العائم الذي بنته الولايات المتحدة والذي تبلغ تكلفته 320 مليون دولار، أول استخدام لطريق بحري لإيصال المساعدات إلى غزة منذ بدء الصراع الحالي.
قال متحدث باسم البيت الأبيض إن واشنطن تأمل في البدء في استخدام الرصيف لإيصال المساعدات الإنسانية في الأيام المقبلة، بعد أن أعلن بايدن ذلك في مارس خلال خطابه عن حالة الاتحاد. لكن يأتي افتتاح الرصيف في وقت حرج في هذا الصراع، بعدما بدأت إسرائيل عمليات عسكرية في مدينة رفح الجنوبية، مهددة نقطتي عبور المساعدات الرئيسيتين بمعبر رفح وكرم أبو سالم.
وفق صحيفة “وول ستريت جورنال”، فإنه مع اقتراب الرصيف من العمل، فإن مسؤولين أميركيين قالوا إن التفاصيل الرئيسية، بما في ذلك كيفية توزيع المساعدات بمجرد وصولها إلى الشاطئ، لم يتم حسمها بعد.
تقول وزارة الدفاع الأميركية إنها ستنسق الخدمات اللوجستية بين الجيشين الأميركي والإسرائيلي والوكالة الأميركية للتنمية الدولية في قبرص، حيث تصل المساعدات ويتم تفتيشها، في الوقت الذي قال الجيش الإسرائيلي إنه يعمل عن كثب مع نظرائه الأميركيين ويعد منطقة مساحتها 67 فدانا في غزة لتلقي المساعدات الإنسانية، لكنه امتنع عن التعليق على المسؤول عن توزيعها في غزة.
يقول مسؤولو الأمم المتحدة إن الخطة لا تزال قيد البحث ولم يكونوا مطلعين على المناقشات حول كيفية عمل الممر البحري، في حين قال نائب المتحدث باسم الوكالة الأميركية للتنمية، شيجال بوليفارتي: “هناك الكثير من القطع المتحركة، حرفيًا ومجازيًا هنا والتي يجب أن تتحد معًا حتى يكون هذا فعالًا”.
أوضح المتحدث باسم برنامج الغذاء العالمي، مارتن بينر، إن نظام الأمم المتحدة الأوسع سيعمل مع الولايات المتحدة في الممر البحري “مما يوفر معالجة مخاوف الأمم المتحدة بشأن الحياد والأمن، كما يتم توسيع الوصول إلى مناطق متعددة داخل غزة”.
بحسب صحيفة “وول ستريت جورنال”، فهناك عدد من المخاطر المحتملة المرتبطة بالرصيف، منها:
تأمين القائمين على توزيع المساعدات بالنظر لمقتل حوالي 200 من عمال الإغاثة في غزة منذ بدء الحرب في أكتوبر، من بينهم سبعة من منظمة المطبخ المركزي العالمي.
لا توجد سلطة واضحة على أرض الواقع لتأمين توزيع المساعدات، مما يثير مشاكل أخرى، ففي فبراير الماضي، قُتل أكثر من 100 شخص في حادث عندما فتحت القوات الإسرائيلية النار خلال تدافع لأشخاص هرعوا للحصول على مساعدات من قافلة.
يواجه الرصيف العائم أيضًا تحديات بيئية، إذ حذر مسؤولون عسكريون من أن المياه المتقطعة في البحر الأبيض المتوسط يمكن أن تلحق الضرر بالرصيف وتجعل غير آمن، كما سبق أن آخّر الجيش الأميركي تركيب الرصيف بسبب الطقس.
حتى بمجرد تشغيل الرصيف، فإن توافر إمدادات ثابتة من المساعدات عن طريق البحر أمر “غير مضمون”.
حتى مع معالجة تلك التحديات، فإن قدرة الرصيف محدودة مقارنة بالمعابر البرية، وهي طريقة أرخص وأكثر كفاءة لتقديم المساعدة الإنسانية، إذ يقول مسؤولون إن الرصيف سيسمح بدخول حوالي 90 شاحنة من المساعدات الإنسانية يوميًا من دخول غزة ثم يتوسع بعد فترة وجيزة إلى 150 شاحنة يوميًا، مقابل كانت هناك 300 شاحنة تدخل يوميا من معبر رفح.
محاولة للإنقاذ
بدوره، قال نائب مساعد وزير الدفاع الأميركي السابق لشؤون الشرق الأوسط مايك ملروي، إنه بعد سيطرة الجيش الإسرائيلي على معبر رفح، أصبح الرصيف العائم للجيش الأميركي أكثر أهمية لإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وأوضح “ملروي” المُطلع على خطط عمل الرصيف البحري، إنه “بمجرد إنشاء الرصيف، تحتاج المنظمات الإغاثية إلى البدء في إرسال الطعام والمياه النظيفة والأدوية جوًا على الفور”.
وشدد المسؤول العسكري الأميركي السابق على أهمية الرصيف البحري كمحاولة لإنقاذ غزة من تبعات المجاعة، مضيفًا: “إما أن تكون هناك مجاعة أو على وشك أن تحدث في شمال غزة، وبدون الرصيف ومع تعثر المساعدات ستحدث تلك المجاعة في الجنوب أيضا قريبًا”.
لكن أستاذ العلوم السياسية في جامعة القدس والقيادي بحركة فتح، أيمن الرقب، يشير إلى أن السلطات الإسرائيلية تسعى لتشديد حصارها على غزة، وتعطيل دخول أي مساعدات إنسانية سواءً عن طريق البر بإغلاق معبر رفح وكرم أبو سالم، أو بحرًا بعدم تأمين وصول المساعدات، في محاولة لتضييق الخناق على سكان غزة، وبالتالي إما يموتون قتلًا في العمليات العسكرية أو جوعًا.
وشدد الرقب في تصريحات لـ”سكاي نيوز عربية”، على “الرفض التام لتغيير إدارة معبر رفح من الجانب الفلسطيني، أو تكليف شركة أميركية من الضباط المتقاعدين لإدارته، مؤكدًا ضرورة إعادة فتحه والسماح بدخول المساعدات الإنسانية لإنقاذ سكان غزة المحاصرين الآن.
زر الذهاب إلى الأعلى