تشهد الولايات المتحدة، اليوم الاثنين، لحظة فريدة من تاريخها السياسي حيث تبدأ في نيويورك محاكمة دونالد ترامب بشأن الأموال غير المشروعة، وهي أول محاكمة جنائية لرئيس سابق، وأولى لوائح اتهام من بين 4 لوائح اتهام أخرى، موجهة لمرشح رئاسي، سيقضي أيامه في المحكمة نهارا، ويواصل حملاته الانتخابية ليلا.
وتبدو المحاكمة إلى حد ما، محاكمة للنظام القضائي الأميركي نفسه، وهو يصارع متهما استخدم شهرته الهائلة لمهاجمة القاضي، وابنته، والمدعي العام، وبعض الشهود والادعاء، كل ذلك مع انتقاد شرعية المحكمة التي اعتبرها ترامب هيكلا قانونيا استولى عليه خصومه السياسيون كما يصر دوما.
على هذه الخلفية، من المقرر أن يتم استدعاء العشرات من المواطنين الأميركيين العاديين اليوم الاثنين إلى غرفة خاصة في قاعة المحكمة الجنائية في نيويورك، لتحديد ما إذا كان بإمكانهم العمل، بشكل عادل وحيادي، في هيئة المحلفين.
وكتب القاضي خوان إم ميرشان في مذكرة له بتاريخ 8 أبريل/نيسان الجاري “المسألة النهائية هي ما إذا كان بإمكان المحلفين المحتملين أن يؤكدوا لنا أنهم سوف يضعون جانبا أي مشاعر أو تحيزات شخصية ويصدرون قرارًا يستند إلى الأدلة والقانون”.
ورفض القاضي، خوان ميرشان، مطالب محامي ترامب تأجيل أول محاكمة جنائية على الإطلاق بحق رئيس سابق، لمدة 90 يوما على الأقل وأمر ببدء اختيار هيئة المحلفين في 15 أبريل/نيسان.
ويواجه ترامب اتهامات بتزوير سجلات تجارية للمدفوعات عشية الانتخابات الرئاسية لعام 2016 للتأكد من أن نجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانييلز لن تعلن عن حصول لقاء جنسي.
ودفع ترامب بأنه غير مذنب في 34 تهمة جنائية تتعلق بتزوير سجلات الأعمال كجزء من جهد مزعوم للحفاظ على قصص بذيئة -كما يقول، زائفة- عن حياته الجنسية من الظهور خلال حملته الانتخابية عام 2016.
الاتهامات
وتتمحور الاتهامات حول مدفوعات بقيمة 130 ألف دولار قدّمتها شركة ترامب لمحاميه آنذاك مايكل كوهين الذي دفع هذا المبلغ نيابة عن ترامب لمنع الممثلة الإباحية ستورمي دانييلز من الظهور علنا، قبل شهر من الانتخابات التي جرت في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016، بمزاعمها عن لقاء جنسي مع قطب الأعمال المتزوج.
ويقول ممثلو الادعاء إن المدفوعات لكوهين تم تسجيلها بشكل خاطئ كرسوم قانونية لإخفاء غرضها الفعلي، لكن محامي ترامب يقولون إن المدفوعات كانت بالفعل نفقات قانونية، وليست تسترا.
ويصور ترامب نفسه القضية، ولوائح الاتهام الأخرى الموجهة إليه في أماكن أخرى، على أنها “تسليح واسع النطاق لإنفاذ القانون” من قبل المدعين العامين والمسؤولين الديمقراطيين، مؤكدا أنهم “يدبرون اتهامات صورية على أمل إعاقة ترشحه للرئاسة”.
ويواجه رجل الأعمال الذي تحول إلى سياسي ورئيس دولة محاكمة قد تؤدي إلى سجنه لمدة تصل إلى 4 سنوات إذا تمت إدانته، على الرغم من أن الحكم بعدم السجن قد يكون ممكنًا أيضا.
وبغض النظر عن النتيجة النهائية، فإن محاكمة رئيس سابق، ومرشح حالي، تمثل لحظة بالغة الخطورة بالنسبة للنظام السياسي الأميركي، وكذلك بالنسبة لترامب نفسه.
مثل هذا السيناريو كان سيبدو غير وارد في نظر العديد من الأميركيين، حتى بالنسبة للرئيس الذي خلّفت فترة ولايته سلسلة من السوابق غير المألوفة، بما في ذلك عزله وتبرئته مرتين من قبل مجلس الشيوخ.
ووارد أن يتزامن مع المشهد داخل قاعة المحكمة مشهد خارجي، خصوصا أن مجموعة جمهورية محلية خططت لتنظيم مسيرة مؤيدة لترامب يوم الاثنين بما يشي بإمكانية تكرار ما حدث العام الماضي بعد استدعاء ترامب العام الماضي، حيث فرقت الشرطة مناوشات صغيرة بين أنصاره والمتظاهرين بالقرب من المحكمة.
وخسر محامو ترامب محاولتهم لرفض قضية الأموال، وسعوا عدة مرات منذ ذلك الحين لتأجيلها، مما أدى إلى سلسلة من جلسات محكمة الاستئناف في اللحظة الأخيرة الأسبوع الماضي.
اختبار المحلفين
ومن بين أمور أخرى، يؤكد محامو ترامب أن هيئة المحلفين في مانهاتن ذات الأغلبية الديمقراطية قد شابتها الدعاية السلبية حول ترامب، وأن القضية يجب أن تُنقل إلى مكان آخر.
ورفض قاضي الاستئناف طلبا طارئا لتأجيل المحاكمة بينما يذهب طلب تغيير المكان إلى مجموعة من قضاة الاستئناف، الذين من المقرر أن ينظروا فيه خلال الأسابيع المقبلة.
ورد المدعون العامون في مانهاتن بأن الكثير من الدعاية تنبع من تعليقات ترامب الخاصة وأن الاستجواب سيكشف ما إذا كان بإمكان المحلفين المحتملين وضع أي تصورات مسبقة لديهم جانبا.
وقال ممثلو الادعاء إنه لا يوجد سبب للاعتقاد بأنه لا يمكن العثور على 12 شخصا عادلاً ومحايدًا وسط سكان مانهاتن البالغ عددهم 1.4 مليون نسمة تقريبا.
وستبدأ عملية اختيار هؤلاء المحلفين الـ12، بالإضافة إلى 6 مناوبين، بإيداع العشرات من الأشخاص في قاعة محكمة ميرشان. ولن يعرفوا إلا بالأرقام، حيث أمر بإخفاء أسمائهم عن الجميع باستثناء المدعين العامين وترامب وفرقهم القانونية.
بعد الاستماع إلى بعض الأساسيات حول القضية وخدمة هيئة المحلفين، سيُطلب من المحلفين المحتملين رفع أيديهم إذا كانوا يعتقدون أنهم لا يستطيعون الخدمة أو أن يكونوا عادلين ومحايدين. وسيتم إعفاء أولئك الذين يفعلون ذلك، وفقًا لملف ميرشان الأسبوع الماضي.
والباقي سيكون مؤهلا للاستجواب، وتشتمل الاستجوابات الـ42 التي تمت الموافقة عليها مسبقا ـ التي تكون أحيانًا متعددة الجواب – على أساسيات الخلفية ولكنها تعكس أيضًا تفرد الحالة.
ومن أمثلة تلك الاستجوابات.. “هل لديك أي آراء قوية أو معتقدات راسخة حول الرئيس السابق دونالد ترامب؟ أو حقيقة أنه مرشح حالي للرئاسة، من شأنها أن تتعارض مع قدرتك على أن تكون محلفا نزيها ومحايدًا؟”.
ويسأل آخرون عن حضور ترامب أو المسيرات المناهضة لترامب، وآرائهم حول كيفية معاملته في هذه القضية، ومصادر الأخبار.. والمزيد – بما في ذلك أي “معتقدات أو آراء سياسية أو أخلاقية أو فكرية أو دينية” قد “تميل” إلى رأي أحد المحلفين المحتملين.
وبناء على الإجابات، يمكن للمحامين أن يطلبوا من القاضي استبعاد الأشخاص “لسبب ما” إذا كانوا يستوفون معايير معينة -مثل عدم قدرتهم على الخدمة أو أن يكونوا غير متحيزين- ويمكن للمحامين أيضا “الطعن القطعي” لإلغاء 10 محلفين محتملين و2 من البدلاء المحتملين دون إبداء الأسباب.
زر الذهاب إلى الأعلى