يبدو أن فيينا، التي كانت وكرا للجواسيس خلال الحرب الباردة، لم تفقد شيئا من سمعتها رغم سقوط الستار الحديدي جدار برلين، فها هو عميل سابق في المخابرات النمساوية يعترف بأنه كان يعمل لصالح المخابرات الروسية ويكشف عن إمداده لها بمعلومات سياسية واقتصادية وأمنية حساسة.
وحسب ما ورد في صحيفة لوموند، فإن إيغيستو أوت باع معلومات سرية من قواعد البيانات الغربية إلى الروس بما في ذلك عنوان كريستو جروزيف، وهو صحفي بلغاري يعمل بشكل خاص في موقع “بيلينغكات” (Bellingcat).
والمحقق الصحفي جروزيف هو السبب وراء اكتشافات عديدة فضحها موقع بيلينغكات بشأن حالات التسمم بغاز “نوفيتشوك” التي يُتهم جهاز المخابرات العسكرية الروسية بالوقوف وراءها، لا سيما أثناء محاولة القضاء على العميل السابق سيرغي سكريبال عام 2018 في المملكة المتحدة.
وقالت لوموند إن اعتقال أوت يوم 29 مارس الماضي تسبب في حدوث اضطرابات غير مسبوقة في هذه الدولة الواقعة وسط أوروبا، والتي تظل -رغم “حيادها” المزعوم- “هدفا لعمليات التسلل التي تقوم بها موسكو على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية”.
وبعد الاعتراف، في الخامس من أبريل الحالي، بأن هذه القضية هي بمثابة “مشكلة تتعلق بالأمن القومي”، قالت لوموند إن المستشار النمساوي المحافظ كارل نيهامر أعلن عن تشديد التشريعات المحلية المتساهلة للغاية في قضايا مكافحة التجسس.
وأبرزت الصحيفة أن ما تم الكشف عنه كل يوم تقريبًا في الصحافة منذ 29 مارس الماضي حول أنشطة العميل السابق المعتقل أوت لا يمكن تصديقه.
وأضافت أن أوت، العميل السابق المتخصص في مراقبة التطرف داخل المكتب الفدرالي لحماية الدستور، يوجد حاليا في الحبس الاحتياطي بعد أن وجّه له مكتب المدعي العام في فيينا تهما بـ”جمع أسرار استخباراتية من قواعد بيانات الشرطة بهدف نقلها إلى ممثلي السلطات الروسية”، بحسب مذكرة الاعتقال التي كشفت عنها أسبوعية “فالتر” النمساوية.
ورغم ما هو معروف عن هذا الرجل، البالغ من العمر 61 عامًا، من بيعه للروس معلومات سرية مأخوذة من قواعد البيانات الغربية مقابل عشرات آلاف الدولارات، ورغم تعليق عمله نتيجة لذلك منذ عام 2017، فإن المثير للدهشة -وفقا للوموند- هو أن المحاكم برأته من هذه الوقائع، ثم أعيد تعيينه في إدارة أخرى بوزارة الداخلية، كل هذا مع استمراره في الوقت نفسه في أنشطته السرية لصالح روسيا، بحسب المحققين.
ومع ذلك، فإن المعلومات التي شاركتها المملكة المتحدة في بداية عام 2024، وفقا للصحيفة، أدت في النهاية إلى رد فعل السلطات النمساوية.
وذكرت أن الأجهزة البريطانية ألقت العام الماضي القبض على خلية من المواطنين البلغاريين الذين يعملون سرًا من بلدهم لصالح جان مارساليك، الذي هو المدير السابق لخدمة الدفع عبر الإنترنت المتوقفة حاليا “واركارد” (Wirecard).
وأضافت أن هذا المواطن النمساوي اختفى منذ إفلاس شركته في صيف عام 2020، وكان في الواقع عميلا يتقاضى رواتب من موسكو، وقد وواصل أنشطته على الأرجح من روسيا مستفيدًا بشكل خاص من علاقاته المميزة مع أوت وغيره من العملاء السابقين للأجهزة النمساوية، وجميعهم معروفون بقربهم من حزب الحرية النمساوي، وهو مجموعة يمينية متطرفة مؤيدة للاتجاهات الروسية، وفقا للصحيفة.
ويُشتبه في أن السيد أوت ظل يمد مارساليك بمعلومات حتى عام 2022 على الأقل، وفقًا للرسائل التي اكتشفها البريطانيون على هواتف هؤلاء البلغار الذين عملوا وسطاء لنقل العناصر إلى موسكو ومكافأة الجاسوس النمساوي.
ومنذ تفجر الفضيحة، تقول الصحيفة، وعدت جميع الأحزاب السياسية النمساوية بدعم تشديد العقوبات على التجسس، فضلا عن توسيع نطاق الأنشطة المستهجنة لتشمل أنشطة المراقبة التي تقوم بها المنظمات الدولية التي تتخذ من فيينا مقراً لها.
لكن لوموند حذرت من أن هذه الأحزاب، وقبل بضعة أشهر من الانتخابات التشريعية في سبتمبر المقبل، ستقضي وقتًا أطول في المشاحنات حول علاقاتها مع السيد أوت بدلا من محاولة فهم أسباب هذا الاختراق الأمني.
المصدر : لوموند
زر الذهاب إلى الأعلى