المؤسسة الجنوبية للدراسات والبحوث الاستراتيجية تعقد ندوة عن القضية الجنوبية ومخرجات مشاورات الرياض
ركزت الأوراق البحثية المقدمة على البعد التاريخي والسياسي والوطني للقضية الجنوبية وعلاقتها بالتفاعلات على الساحة المحلية والإقليمية والدولية وتشارك المتداخلون التأكيد على أهيمة الترابط بين مواجهة المشروع السلالي العنصري للجماعة الحوثية المدعومة من إيران وبين حق الشعب الجنوبي في استعادة دولته المستقلة من خلال الحوار الثنائي الجنوبي-الشمالي والإقرار بأن محاولة التوحيد بين دولتي (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية والجمهورية العربية اليمنية) قد فشلت وآلت إلى هذا المآل التراجيدي بسبب غياب الإرادة السياسية في بناء دولة الشراكة الوطنية ونزعة الإقصاء والاستحواذ التي تبناها نظام صنعاء بعد وقبل الحرب على الجنوب في العام 1994م.
ففي مداخلته أشار الدكتور عيدروس النقيب إلى الأوضاع السياسية والعسكرية الشائكة التي جاءت في ظلها الدعوة لعقد المشاورات اليمنية اليمنية في الرياض مطلع شهر إبريل المنصرم.
وقال د. النقيب أن الانهيارات المتواصلة لـ”الجيش الوطني” التابع للشرعية اليمنية وسيطرة القوات الحوثية على محافظات كاملة في أيام معدودة، وعجز الشرعية عن تسجيل أي حضور لا في المشهد السياسي ولا في الساحة العسكرية ولا في تقديم الخدمات الضرورية لمواطني المناطق المحررة، وعجز سلطات شرعية ما قبل أبريل 2022م في التأثير على القوى الدولية وفشلها الدبلوماسي في تلك الساحة، كل هذا قد وضع التحالف العربي في مأزق اضطره إلى الدعوة لعقد مشاورات الرياض كمحاولة للخروج من هذا المأزق، وتمخض المؤتمر عن التوصيات التي عرف بها الجميع بما في ذلك إصلاح مؤسسة الرئاسة وتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، ونقل السلطة إليه.
غير إن القضية الجنوبي لم تحضر في مخرجات مشاورات الرياض إلا في العبارة اليتيمة المدرجة في توصيات المشاورت والتي لا تزيد عن سطرين، والقاضية بـ”وضع إطار لقضية شعب الجنوب في مسار الحل النهائي لأزمة اليمنية ومشروع السلام الشامل” وهي عبارة لا تعني شيئا على الصعيد العملي.
واختتم د. النقيب مداخلته بالتأكيد أن حل القضية الجنوبية لن يتأتى إلا باحترام إرادة الشعب الجنوبي والاستجابة لمطالبه المشروعة باستعادة دولته والعودة إلى نظام الدولتين الشقيقتين التجاورتين المتعاونتين،
مؤكدا أن العودة إلى وضع الدولتين ليست فقط مصلحة جنوبية بل هي مصلحة شمالية وإقليمية وعربية ودولية لأنها تضمن حالة السلام الدائم في المنطقة وتفرغ الشعبين الشقيقين في الجنوب والشمال للتنمية والبناء وإقامة شراكات بناءة بين الشعبين والدولتين ومكافحة الإرهاب وتأمين الممرات المائية والمصالح المشتركة والدولية
وقدم الباحث الإماراتي الدكتور خالد القاسمي شرحاً تاريخياً عن العلاقات العربية-الجنوبية مشيراً إلى الحضارات الجنوبية القديمة كقتبان وأوسان وحضرموت وحمير وتأثيرها على الصعيدين الخليجي والعربي ثم دور الجنوبيين في نشر الإسلام في آسيا وأفريقيا من خلال التجار والمغتربين الجنوبيين في هذه البلدان,
واستعرض الدكتور القاسمي تاريخ كفاح الشعبين في الجنوب ضد الغزوات الأجنبية نضاله من أجل طرد الاستعمار البريطاني وتوحيد المشيخات والسلطنات الجنوبي في دولة واحدة هي جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وفي الشمال ضد الأتراك والفرس ونظام الإمامة وبناء الجمهورية العربية اليمنية.
واحتتم الدكتور خالد القاسمي مداخلته بالإشارة إلى أن نجاح المقاومين الجنوبيين في هزيمة المشروع الإيراني على أرضهم في حرب 2015م يؤكد على أهمية احترام إرادة الشعب الجنوبي في اختيار طريقه المستقبلي الحر وحق الجنوبيين في استعادة دولتهم المستقلة على أرضهم بحدووها المعروفة.
وفي مداخلته التي قرأتها المحامية ليندا محمد علي نيابة عنه بسبب تعذر مشاركته لأسباب موضوعية، أشار الدكتور ياسين سعيد نعمان إلى ما تعرض له مشروع دولة الشراكة الوطنية بعد 1990، من حملات تشهير وتشويه ومحاولة تصوير قيام وحدة ٢٢ مايو بأنها حالة من هروب القيادة الجنوبية إلى الوحدة بعد انهيار المعسكر الاشتراكي مشيرا إلى الدور الخطير لهذا الترويج في التشكيك بمشروعية دولة الوحدة وتحويلها من وحدة بين شعبين ودولتين إلى وحدة بين هاربين ومستقبلين لهم.
وأشار الدكتور ياسين إلى أن سلطات صنعاء كانت تسعى إلى شراكة السلطتين وليس شراكة الدولتين ومن هنا جاءت الدعوات حينها إلى دمج الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي العام التي كانت تستهدف تغييب إراد الشعبين والتركيز على تجسيد وحدة وشراكة السلطتين وليس شراكة الشعبين والدولتين.
وأختتم د. نعمان مداخلته بالتأكيد على إن القوى المقاومة للمشروع الحوثي الايراني لا بد أن تعيد ترتيب نفسها على قاعدة التعاطي المسئول مع القضية الجنوبية التي كانت دائماً تعبيراً عن الحالة السياسية للجنوب في الظرف المعاش . وهي اليوم تعبر موضوعياً عن حالة الجنوب الراهنة في مسألتين مركزيتين مترابطتين :
١- التصدي للمشروع العنصري الحوثي الإيراني ، ومن ثم تعبئة الجنوب للمشاركة في هذه المهمة .
٢-حق الجنوب في تقرير مصيره بالاستناد إلى حق الناس في تقرير خياراتهم السياسية في الظرف الذي يجعل الاختيار عملاً رشيداً، مؤكداً بأن الجميع بات اليوم يفهم هذه القضية في هذا السياق الذي ينسجم مع تطورات الأوضاع السياسية ، غير أن الاشتباك مع حسابات الماضي يضع جملة من التحديات التي طالما اختبرت في صلتها بحراك الواقع ولم تنتج سوى المزيد من التعقيدات أمام الجميع لمواجهة التحدي الرئيسي .
وفي مداخلته قدم الدكتور محمود العزاني رؤية تيار التوافق الوطني للقضية الجنوبية من خلال رؤيته للقضية اليمنية عامة.
وقال د. العزاني أن تيار التوافق الوطني هو تيار مدني سلمي لا علاقة له بالحرب وهو يرفض الحرب ويدعو إلى السلام
ولخص رؤية التيار للقضية الجنوبية من خلال محورين
الأول :وهو مشاركة الشعبية في الشمال والجنوب في مواجهة الحرب وإنهاء حالة النزاع المسلح ومقاومة المشروع الحوثي السلالي العنصري
واستعادة شرعية الدولة المدنية
الثاني :حق الشعب الجنوبي في استعادة دولته وبناء مستقبله المستقل بعد إنهاء الحرب واستعادة الدولة اليمنية الشرعية
واختتمت الندوة بمجموعة من المنافشات البناءة التي شارك فيها عدد من الحاضرين والتي أكدت جميعها على أهمية التصدي للمشروع الإيراني في اليمن واحترام إرادة الشعب الجنوبي في تقرير مصيره المستقل واستعادة دولته بحدود 21 مايو 1990م وبناء دولة الجنوب الفدرالية الحديثة بكل ولكل أبنائه وبناته.