منارة عدن / العرب اللندنية
حَرَف التصعيد العسكري في البحر الأحمر قطار السلام في اليمن عن مساره في ظلّ جبهة مستجدّة مفتوحة بين الغرب والحوثيين، وسط ضغوط على واشنطن لتجنّب التصعيد وترقّب سعودي عن بُعد.
وخلطت التطوّرات الأخيرة في منطقة البحر الأحمر أوراق السياسة في البلد الغارق في نزاع منذ حوالي عقد من الزمن، بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من استكمال مفاوضات دامت أشهرا بين السعودية الراعية للحكومة اليمنية من جهة، والحوثيين المدعومين من إيران من جهة أخرى، كادت تفضي مؤخرا إلى الإعلان عن خارطة طريق للسلام.
لكن مصير عملية السلام تلك باتت في مهبّ الريح في ظلّ هجمات الحوثيين على سفن في البحر الأحمر، وفق ما يقوله فارع المسلمي الباحث اليمني غير المقيم في معهد تشاتام هاوس البريطاني لوكالة فرانس برس.
وقبل التصعيد في البحر الأحمر كان طرفا النزاع يستعدّان للدخول في عملية سلام تقودها الأمم المتحدة كجزء من خارطة طريق لإنهاء الحرب التي اندلعت عام 2014 مع سيطرة الحوثيين على مناطق شاسعة في شمال البلاد أبرزها العاصمة صنعاء. وتدخّلت السعودية عام 2015 على رأس تحالف عسكري دعما للحكومة اليمنية، ما فاقم النزاع الذي خلّف خسائر بشرية فادحة وخلق أزمة إنسانية تقول هيئات أممية إنها من بين الأسوأ في العالم.
لكن حاليا لم يعد هناك مكان متاح لخيار السلام على طاولة النقاش في زحمة الاشتباك العسكري والسياسي ، بحسب الباحث ماجد المذحجي.
ويضيف المذحجي نتحدث عن انتقال الاشتباك من الأطراف المحلية في الصراع اليمني وتحديدا جماعة الحوثيين إلى اشتباك مع أطراف دولية.
جاء هذا التصعيد بعد فترة هدوء نسبي داخليا منذ إعلان هدنة في أبريل 2022 رغم انتهاء مفاعيلها في أكتوبر من العام نفسه.
وللمرة الأولى منذ اندلاع النزاع في اليمن، دخلت القوات الأميركية والبريطانية في مواجهة مباشرة مع الحوثيين، فقصفت ثلاث مرات منذ الشهر الماضي مواقع تابعة لهم. ويشنّ الجيش الأميركي منفردا بين الحين والآخر ضربات على صواريخ يقول إنها معدّة للإطلاق داخل اليمن. وأعلن الحوثيون السبت الماضي تشييع 17 عنصرا في صفوفهم قُتلوا جراء غارات غربية.
تأتي هذه الضربات ردا على هجمات ينفّذها الحوثيون منذ أكثر من شهرين على سفن في البحر الأحمر وبحر العرب يقولون إنها مرتبطة بإسرائيل في ما يعتبرونه دعما لفلسطينيي غزّة حيث تدور حرب بين حركة حماس والدولة العبرية منذ السابع من أكتوبر الماضي.
ويرى كبير محللي الشرق الأوسط لدى مجموعة نافانتي الاستشارية الأميركية محمد الباشا أنه من غير المرجّح أن يدعم المجتمع الدولي خطة السلام في اليمن بسبب مخاوف من أن تشكل نوعا من مكافأة للحوثيين على هجماتهم في البحر الأحمر .
مصير عملية السلام في اليمن باتت “في مهبّ الريح” في ظلّ هجمات الحوثيين على سفن في البحر الأحمر
فعلى العكس من ذلك تسعى الدول الغربية إلى معاقبة الحوثيين مع إدراج الولايات المتحدة المتمردين اليمنيين على لائحتها للكيانات الإرهابية، وفرضها مع لندن عقوبات على مسؤولين في صفوفهم، دون أن يفضي ذلك إلى تغيير في سلوك الحوثيين.
ويوضح مدير قسم شؤون شبه الجزيرة العربية في معهد الشرق الأوسط جيرالد فايرستاين الذي كان سفيرا أميركيا سابقا في اليمن، خلال لقاء عبر الإنترنت نظّمه المعهد، أنه بالإضافة إلى رغبة الأطراف ذات الصلة بالملف اليمني في عدم التصعيد، فهي تتعرض أيضا لضغوط كبرى كي لا تفعل أي شيء من شأنه أن يقوض مفاوضات السلام، مشيرا إلى أن ذلك ينطبق خصوصا على السعوديين والأمم المتحدة.
ولم تعلن السعودية الانضمام إلى تحالف بحري دولي شكّلته واشنطن، شريكتها الأمنية الرئيسية، لحماية حرية الملاحة في البحر الأحمر. وإثر الضربات الغربية الأولى على الحوثيين، دعت الرياض إلى ضبط النفس وشددت في الوقت نفسه على أهمية الاستقرار في منطقة البحر الأحمر.
ويرى المسلمي أن الرياض ستراقب من بعيد إلى أي درجة ستذهب واشنطن، لكنّها لن تخوض أي معركة مع الحوثيين إلا في حال استهدفوا أراضيها. وهذا لا يبدو أنه على قائمة الحوثيين الآن، منتهجة سياسة ابتعد عن الشرّ وغنّ له.
ويضيف أن السعودية هي في لحظة إقليمية ودولية تحاول خلالها إعادة تسويق صورة لها باعتبارها مصدرا للحلول وليست طرفا في أي مشكلة.
وأقرّ نائب وزير الخارجية في حكومة الحوثيين حسين العزي خلال مؤتمر صحفي في الخامس من فبراير الجاري بوجود عوائق في الطريق نحو السلام، متّهما أميركا وبريطانيا وبعض الذين تأثروا بهما من الأطراف اليمنية بافتعالها. لكنّه أكد أن لدى الرياض وصنعاء الشجاعة لتجاوز هذه الصعاب.
ومن جانبها تعتبر الحكومة اليمنية الضعيفة، والتي يقيم معظم أعضائها في الرياض، أن الضربات الغربية غير كافية وتطالب بدعم عسكري غربي لقواتها للمساهمة في ليّ ذراع الحوثيين، في ما يبدو اقتناصا لفرصة إقليمية ودولية نادرة.
ويلفت المسلمي إلى أن الحكومة هي بالمعنى السياسي والدولي في لحظة قوية من ناحية الانطباع الدولي عنها ، لكنّه شكّك في إمكانية أن ينعكس ذلك على الميدان.
ويقول فايرستاين أظن أن فكرة بناء القوات المناهضة للحوثيين إلى مستوى يمكّنها من تجديد القتال، ببساطة غير واردة ، بالنسبة إلى واشنطن.
وإذ يشير المسلمي إلى أن السلام في اليمن يتطلب التزامات دولية وإقليمية مختلفة عن تلك الموجودة الآن ، فإنّه يحذّر من أن الطريق إلى الحرب كان قد أُغلق قبل التصعيد الأخير أما الآن فالباب نحو الجحيم فُتح مجدّدا على مصراعيه.
زر الذهاب إلى الأعلى