فيما يتصاعد التوتر على وقع استمرار استهداف قواعد التحالف الدولي في العراق من قبل فصائل مسلحة موالية لطهران، وما يعقبه من هجمات أميركية مضادة عليها، منذ منتصف أكتوبر الماضي، تزداد التكهنات حول مستقبل الوجود العسكري الأميركي في العراق وطبيعة العلاقة بين واشنطن وبغداد.
وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إن العراق يريد خروجا سريعا ومنظما للقوات العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة من أراضيه عن طريق التفاوض لكنه لم يحدد موعدا نهائيا.
ووصف السوداني وجود تلك القوات على أراضيه بأنه مزعزع للاستقرار في ظل التداعيات الإقليمية لحرب غزة، وفقا لوكالة رويترز.
واكتسبت الدعوات التي أطلقتها منذ فترة طويلة فصائل، أغلبها شيعية، والعديد منها قريب من إيران، لرحيل التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن، زخما بعد سلسلة من الضربات الأميركية على فصائل مرتبطة بإيران وتشكل أيضا جزءا من القوات العراقية الرسمية.
وأثارت تلك الضربات، التي جاءت ردا على عشرات الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ على القوات الأميركية على وقع حرب غزة، مخاوف من أن يصبح العراق مرة أخرى مسرحا لصراع إقليمي واسع.
وقال السوداني لرويترز في مقابلة الثلاثاء، إن هناك حاجة لإعادة تنظيم هذه العلاقة حتى لا تكون هدفا أو مبررا لأي طرف سواء كان داخليا أو خارجيا للعبث بالاستقرار في العراق والمنطقة، مضيفا أن خروج تلك القوات يجب أن يتم عبر التفاوض.
موقف كردستان
تصريحات تزامنت مع استقبال رئيس حكومة إقليم كردستان العراق، مسرور بارزاني، الثلاثاء، القائد العام لقوات التحالف الدولي في العراق وسوريا الجنرال جويل فاول.
وفي الاجتماع، الذي حضره القنصل العام الأميركي لدى الإقليم مارك سترو، تم تبادل وجهات النظر بشأن آخر المستجدات والتطورات في إقليم كردستان والعراق وسوريا.
وتضمن المحور الرئيسي للاجتماع، التأكيد على أهمية حماية الأمن والاستقرار في العراق وإقليم كردستان، والتشديد على ضرورة أن تواصل قوات التحالف الدولي مهامها من أجل مساعدة الجيش العراقي وقوات البيشمركة في مكافحة الإرهاب، وضمان الأمن والاستقرار، وفق بارزاني.
تكاليف باهظة
ويرى مراقبون أن تصريحات السوداني لا تعني بالضرورة أن بغداد ستذهب لحد المطالبة بانسحاب كلي وتام لقوات التحالف، وأنها تندرج في سياق محاولات امتصاص غضب التيارات والجماعات المناوئة للوجود الأميركي، منوهين للتكاليف الأمنية والاقتصادية والسياسية الباهظة لخروج قوات التحالف على العراق.
يقول أستاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد إحسان الشمري:
هي دعوات غير واقعية، خاصة وأن إقليم كردستان مثلا أعلن ضرورة بقاء القوات الأميركية بالعراق، فضلا عن أن السوداني نفسه قبل أسابيع أشار لضرورة وجود تلك القوات بل وتوسيع نطاق التنسيق والتعاون معها.
هذه المواقف هي غالبا لإرضاء الفصائل المسلحة وبعض قوى الإطار التنسيقي، خاصة بعد الضربة الأميركية الأخيرة في بغداد.
علاوة على أن أي خروج أميركي سريع حتى لو تم، فلن يكون قبل سنتين إلى 5 سنوات على الأقل، كونها عملية ليست يسيرة وبحاجة لترتيبات واتفاقات وجداول زمنية.
ولا ننسى أن هكذا توجه سيقابله رفض كردي وسني، وهو ما قد يقود لأزمة سياسية ووطنية كبرى، ويجعله مطلبا لا يحظى بالإجماع بين مختلف المكونات والقوى السياسية المؤثرة والفاعلة.
من جهته يقول الكاتب والخبير في الشؤون الكردية طارق جوهر:
لا تبدو فكرة منطقية ولا عملية، فالانسحاب الأميركي من العراق قد يولد فراغا أمنيا خطيرا وهو ما ستستغله بطبيعة الحال جماعات متطرفة كتنظيم داعش، وهو ما يهدد بتبديد جهود سنوات من مكافحة الإرهاب ودحره في العراق والمنطقة عامة.
وما يزيد من خطورة هكذا انسحاب أن داعش لا زال موجودا رغم تراجع قوته، لكنه مع ذلك يشكل تهديدا لأمن العراق وسلامة مواطنيه.
ولا ننسى أن إقليم كردستان على وجه الخصوص لن يقبل بهكذا توجه للاستغناء عن وجود ودور قوات التحالف الدولي التي تتمركز بقوة في الإقليم، حيث ليس خافيا حجم العلاقة المميزة التي تربط أربيل بواشنطن وبقية عواصم التحالف الدولي.
كما وأن التبعات الاقتصادية لهكذا انسحاب هي الأخرى تؤشر لمدى الضرر الذي ستلحقه هكذا خطوة بمصالح العراق ومجمل علاقاته الدولية.
زر الذهاب إلى الأعلى