منارة عدن/ استطلاع: مريم بارحمة
تميزت دولة الجنوب بتاريخ وثقافة وتقاليد وتراث وحضارة تجلت مظاهرها في مختلف مناحي الحياة ومنها الالتزام بالحقوق والواجبات واحترام القوانين والشعور بالمسئولية تجاه الوطن فقد كانت دولة يسودها النظام والقانون وكل مواطن يتمتع بحقوق وعليه واجبات ويفتخر ويعتز بانتمائه لدولته الجنوبية التي كانت في مقدمة دول الشرق الأوسط والعالم في كافة المجالات الخدمية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية. وكان الولاء لله ثم للوطن والأرض، ولكن على مدار ثلاث عقود ومنذ الوحدة المشؤومة عام 1990م عمل نظام صنعاء بكل ما أوتي من قوة على محاولة طمس الهوية الجنوبية في كل مناحي الحياة ونشر ثقافة الفوضى والسلاح، والتدمير الممنهج لكل ما هو جميل بالجنوب.
فكيف يمكننا ان نعيد غرس وترسيخ هويتنا الجنوبية في عقول ونفوس اجيال المستقبل؟ وما اهمية المحافظة على الهوية الجنوبية في حفظ تاريخ الجنوب المشرق؟ وهل للإعلام دور في ابراز تاريخ ومعالم هويتنا الجنوبية وترسيخها ؟ وهل للمناهج الدراسية التي انتجها نظام صنعاء دور في طمس الهوية الجنوبية خاصة بالصفوف الاولى؟ وكيف يمكن للمؤسسات التربوية ترسيخ الهوية الجنوبية عند طلابنا؟ وما الحلول والمعالجات لإعادة ترسيخ الهوية الجنوبية في كل مناحي الحياة؟
-توفير كافة حقوق
للتعرف على كيفية إعادة غرس الهوية الجنوبية في نفوس وعقول أبنائنا أجيال المستقبل يتحدث معنا الدكتور د. أحمد محمد تربهي، عميد كلية المجتمع سقطرى، ورئيس دائرة الشؤون الاجتماعية في المجلس العام لأبناء المهرة وسقطرى م/ سقطرى، قائلاً:” فعلا شريحة الأطفال هي الشريحة الأهم والأكثر في المجتمع وهم قادة المستقبل، وبالتالي فإن الحفاظ عليهم وتنشئتهم على حب الوطن يعد من أهم الواجبات التي ينبغي أن تتحملها المؤسسات الوطنية الجنوبية، وأولى تلك الخطوات التي يمكن أن تنمي الشعور بالانتماء للوطن عند الأجيال، حماية حقوقهم أولا في توفير الأمن والغداء والدواء والتعليم والحق في اللعب، إذ لا يمكن لأحد كائن من كان أن يقنع أي طفل نشاء على الجوع أو المرض أو دون تعليم أو حرمه الفقر من أن يفرح بالعيد أن يحترم ذلك الوطن ويعتز بالانتماء إليه، فضلاً من أن يضحي من أجله ثم بعد ذلك تأتي الوسائل التربوية الأخرى، وأكيد المساواة أيضا مطلوبة في توفير فرص الحصول على تلك الحقوق بين أجيال هذا الوطن بما فيهم فتيان وفتيات الجزر الذين عاشوا الحرمان من أبسط تلك الحقوق”.
-امجاد الماضي
بينما تقول الناشطة الأستاذة سوسن ناجي الدغفلي:” من الممكن غرس هذه الأفكار وترسيخها من خلال اخبارهم وتعليمهم أمجاد الماضي لتلك الأراضي الجنوبية وما مرت به بين الحين والآخر من ازدهار حضاري وثقافي ونمو اقتصادي، وكيف كانت دولة الجنوب أرضاً وشعبًا وارضًا وانسانًا وكيف كان الجنوب دولة متطورة في كافة المجالات وتهابها دول العالم ولها احترامها وتنعم بالرفاهية والرخاء”.
-الهوية الراسخة والمتجذرة
وعن أهمية المحافظة على الهوية الجنوبية في حفظ تاريخ الجنوب يوضح الأستاذ عمر محمد صالح بامخشب، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، بمديرية الطلح محافظة شبوة قائلاً :” الهوية الوطنية تعتبر الأساس الصلب التي تستمد منه الدولة قوتها وتماسكها، وكلما كانت الهوية الوطنية الجنوبية قوية راسخة ومتجذرة لدى الشعب، كلما عكست تأثيرًا إيجابيًا على المستوى الخارجي.. أيضا الهوية الوطنية مهمة جداً لتعزيز الروابط وتقويتها بين أفراد الشعب الواحد وعدم إتاحة الفرصة لشرذمة المجتمع وتمزيقه، وهناك الكثير من الدول الكبرى والمتقدمة تعمل ليل نهار على موضوع الهوية وخصصت ميزانيات ضخمة وكادر متخصص يهتم بهذا الجانب لما له من أهمية بالغة”، مضيفا:” وفي حالة الجنوب فإن الهوية الوطنية هي المفتاح الذي سيوحد كل مناطق الجنوب وأبنائها تجاه التحديات التي تتربص بهم، ومن وجهة نظري يجب أن تتوجه الانظار إلى الهوية وتعزيزها عمليًا وتعليميًا في مختلف مناحي الحياة، وإعادة غرسها عند طلاب المدارس على وجه الخصوص لينشأ جيل واعي بهويته ومتمسك بأرضه وعاداته وتقاليد وقيم دينه الإسلامي الحنيف”.
-تاريخ وأمجاد وحضارة
وتضيف الأستاذة امتثال ابراهيم بيربهاي، رئيس اللجنة التحضيرية لاتحاد نقابات عمال الجنوب فرع العاصمة عدن، مدير إدارة المرأة والطفل تنفيذية انتقالي العاصمة عدن :” من الضروري الحفاظ على الوطن وكل مقدراته ومكتسباته الحفاظ على الهوية الجنوبية العربية أولا فمنذ أن أضعنا تلك الهوية وارتبط اسم دولتنا بما تسمى باليمن عشنا حالة من الشعور بالنقص منذ أن أُطلِق على أرضنا اسم اليمن الجنوبي ونحن نؤمن بشيء خاطئ هو أننا جزء من يمن واحد ومثلما نحن جنوب هناك شمال والحقيقة أننا حينها أضعنا هويتنا الأصلية العربية، نسينا حينها أننا أرض الأحقاف وأرم أرض الحضارات، لكننا بعد أن أدركنا الخطأ الذي وقعنا فيه، أصبح لزاماً علينا أن نغرس لدى أجيالنا القادمة مفهوم أننا دولة عربية ذات تاريخ وأمجاد لا يجب أن ننساها أو أن نكرر أخطاء الماضي حتى نبني وطناً يفخر به من سيأتي بعدنا”.
-توثيق بطولات الشهداء
وبخصوص دور الإعلام في إبراز تاريخ ومعالم هويتنا الجنوبية وترسيخها تتحدث الأستاذة امتثال قائلة :” للإعلام الجنوبي الدور الأهم والأبرز؛ لترسيخ تاريخ هذه الأرض والشعب الذي عاش عليها فلو لم يسلط الإعلام الضوء على هذا التاريخ الزاخر بالمجد فمن ذا الذي يفعل ذلك، إن توثيق بطولات شهدائنا في الدفاع عن أرضنا وتسليط الضوء على معالمنا التاريخية والأثرية هو مهمة الإعلاميين وكل هذا لن يتأتى إلا بإيماننا بأهمية هذا الدور”.
-استراتيجية إعلامية منظمة
ويؤكد الأستاذ عمر بامخشب بالقول :” الإعلام هو سلاح العصر وبدونه لا يمكن تحقيق الأهداف على كافة الاصعدة، أما بالنسبة للهوية الوطنية فدور الإعلام ضعيف جداً في ابرازها وتعزيزها والعمل على ترسيخها، وأن دور الإعلام اقتصر على محاولات متواضعة هنا وهناك لا ترقى لمستوى الطموح، كما اننا بحاجة لاستراتيجية إعلامية منظمة تركز على مواضيع الهوية الوطنية وتضغط باتجاه ايضاحها، وتمتينها وجعل المشاهد والمستمع شغوفا بمتابعة تفاصيل الهوية الوطنية الجنوبية ومن خلال ذلك ينمي ثقافته حولها ويستطيع المواطن ان يفاخر بها”، لافتاً إلى: أن الدور الإعلامي سيكون عليه العبء الأكبر بعد ثلاثة عقود من محاربة الهوية الوطنية الجنوبية ومحاولات طمسها وتغييبها عن المشهد.
-سن التشريعات والقوانين
ولكشف هل كان للمناهج الدراسية دور في طمس الهوية الجنوبية خاصة بالصفوف الاولى؟ وكيف يمكن للمؤسسات التربوية ترسيخ الهوية الجنوبية عند الطلاب توضح الأستاذة سوسن قائلة :” إن للمناهج الدراسية علاقة ودور في طمس الهوية الجنوبية
والواجب على المؤسسات التربوية ترسيخ مفهوم الهوية الجنوبية عن طريق التالي:
1 -توظيف الثقافة الشعبية في الحفاظ على الهوية الجنوبية.
2 – توضيح وشرح المناهج الدراسية بالأمثلة والأشكال التي ترسخ الهوية الجنوبية وتراثها وبشكل يتناسب مع المستويات العمرية والمراحل الدراسية المختلفة، والنهوض بالوطن فكرياً وعمرانيًا.
3- وضع استراتيجية وطنية شاملة تبدأ بنشر الوعي عن هويتنا وقضيتنا.
4- سن التشريعات القانونية التي تحافظ على هويتنا الجنوبية الأصيلة.
-إعادة النظر في المناهج والأنشطة
ويؤكد د. أحمد التربهي بالقول:” بالتأكيد نعم، للمناهج الدراسية دور في طمس الهوية الجنوبية، وبالتالي إعادة النظر في المناهج الدراسية والأنشطة التربوية المصاحبة أصبح أمرًا لابد منه إذا ما أردنا ذلك”.
-إعادة ابرازها للعالم
وعن أهم الحلول والمعالجات لإعادة ترسيخ الهوية الوطنية الجنوبية في كل مناحي الحياة اليومية يرى أ. عمر بامخشب : أهم ما تحتاجه الهوية الجنوبية هو إعادة ابرازها للعالم فهي موجودة ولكن تعرضت لحرب شعواء من قبل هوية دخيلة على شعب الجنوب تم فيها طمس معظم معالم الهوية الجنوبية ومحاولة الترويج للهوية التي تتعارض وتختلف عن هوية الجنوب في مختلف الجوانب. ويقترح أ. عمر بامخشب لترسيخ الهوية الجنوبية :
1- وضع استراتيجية إعلامية صلبة تهتم بجانب الهوية الجنوبية.
2- إدراج مواضيع الهوية الجنوبية في المناهج الدراسية لتعزيزها عند أهم شريحة من شرائح المجتمع.
3- محاربة كل ما هو دخيل على هويتنا الجنوبية إعلاميا بشكل أساسي.
-العدل والمساوة
بدوره د. أحمد التربهي يقول: “التوزيع العادل للحقوق والواجبات بين أبناء الجنوب وحماية حقوق جميع أبناء الوطن وتوفير الخدمات والحفاظ على الخصوصيات الثقافية والبيئية لبعض مناطق الجنوب بما فيها سقطرى والمهرة وذلك من خلال برامج عملية وإجراءات ملموسة يستطيع المواطن أن يشعر بها فوطن يفرق بين أبنائه أو يعجز ساسته عن توفير أبسط مقومات الحياة مثل الماء أو الكهرباء أو حتى الأمن ولا ينتظم فيه الراتب كأبسط حق يمكن أن يحصل عليه المواطن، فليس مستبعد ألّا يجد من يحميه فالأوطان ليست أصنامًا يجب على عوام الناس أن تقف في طوابير طويلة لتؤدي طقوس الانتماء في حين يقف ساسته وأبنائهم في طوابير أخرى لا علاقة لها بالوطن والوطنية”.
– هويتنا الأصيلة
بينما تقول الأستاذة امتثال:” مع إدراكنا لأهمية دور الإعلام الجنوبي يجب أن ندرك أيضًا أن الأمر ليس حكراً على الإعلام فقط فوزارة التربية والتعليم أيضا معنية بذلك من سيكتب ويدرس تاريخ هذه الأمة وكيف لأجيالنا معرفة ما كان عليه أجدادهم منذ ألاف السنين وما الملاحم الذي يسطرها يومياً أبنائنا في الجبهات وكتبها شهدائنا الأبرار بدمائهم الزكية كذلك وضع مناهج دراسية تتناسب وهويتنا الحضرمية أو العربية سموها ما شئتم، المهم ألا نعود لنسيان تلك الهوية وعنوانها العربي الأصيل”.
-تحذير من ضياع الهوية
فيما ترى الأستاذة سوسن أن الحلول والمعالجات تكمن بالتالي:
1 -توضيح المعنى الحقيقي للهوية الجنوبية للمواطنين والعالم.
2 -إيجاد مجمع أو منتديات خاصه تكون باسم الهوية الجنوبية ويكون القائمون عليها مجموعة من كبار المثقفين والمتعلمين.
3 -التحذير من ضياع الهوية الجنوبية عند الأجيال القادمة وكذلك زراعة حب الهوية الجنوبية في النشء والجيل الصاعد من خلال المناهج وغيرها.
4 إبعاد الجيل قدر الإمكان عن مساوئ الحضارة، والفخر بالتاريخ الجنوبي العربي الأصيل.
زر الذهاب إلى الأعلى