الجنوبيون يتحدون ظروفهم الاقتصادية في رمضان بتكافلهم الاجتماعي
منارة عدن / ارم نيوز
تواصل “الأطباق المتبادلة” رحلتها بين منازل المواطنين خلال شهر رمضان المبارك، كواحدة من أبرز صور التكافل الاجتماعي الصامدة في وجه الأزمة الإنسانية التي تصفها الأمم المتحدة بـ”الأسوأ عالميًّا”، نتيجة للحرب التي يعيشها البلد منذ أكثر من 8 أعوام.
واعتاد الجنوبيون منذ القدم، على تبادل أطباق المأكولات مع جيرانهم، بلحظات تسبق الإفطار، إلى جانب روح التآلف والتراحم ومساعدة الفقراء والمحتاجين السائدة خلال هذا الشهر، إلا أن مثل هذه العادات الجميلة، بات عليها مواجهة الأوضاع الاقتصادية الحالية، التي يكافح فيها أكثر من 80% من سكان البلاد، للحصول على الغذاء ومياه الشرب والخدمات، بحسب التقارير الدولية.
ويقول المواطن مبارك التوم، إن “معظم الأسر ما زالت محافظة على هذا النوع من التقرب إلى الله، رغم الظروف البائسة. لكنه يرى أن هذه العادة قد تخطئ كثيرًا أهدافها السامية، إذ لا تخلو في بعض الأحيان من المجاملات بين الجيران غير المحتاجين، ولا تصل مثل هذه الأطباق والمأكولات إلى الأسر الفقيرة فعليًّا”.
ويشير في حديثه لـ”إرم نيوز”، إلى أن “عادة تبادل الأطباق، ارتبطت بعادة أخرى قد تكون مكلفة لبعض الأسر، حيث بات سائدًا في المجتمع أن الطبق الذي يصل إلى المنزل لا ينبغي إعادته فارغًا، ولذلك فإن بعض الأسر المحتاجة والمستورة باتت تكلف نفسها لرد الطبق مليئًا بالمأكولات التي قد يكونون هم أشد حاجة إليها”.
وقال التوم، إن “إحدى الأسر الميسورة بمديرية المعلا، بالعاصمة عدن، لجأت منذ رمضان الماضي، إلى استخدام حافظات الطعام البلاستيكية، لتوزيع أصناف متعددة من المأكولات، حتى لا تحرج جيرانها بإعادة الأواني المنزلية مليئة بالطعام”.
صمود وتماسك
وتتعدد أوجه التكافل الاجتماعي في خلال شهر رمضان، عبر أنشطة مجتمعية تجسد مبدأ التعاون والتراحم، إذ تحرص المساجد على إقامة موائد إفطار جماعية يتكفل بها بعض التجار، فيما يعتمد بعضها الآخر على ما تجود بإرساله الأسر القريبة من المساجد، وما يحضره المصلون معهم من مأكولات، فضلًا عن الموائد الجماعية التي تتشارك بعض الأسر في إقامتها بأيام معينة من رمضان وسط الأحياء السكنية.
ويشيد التربوي، فهمي عبدالرب لـ”إرم نيوز”، بهذه العادات الحميدة، التي قال إنها “تحافظ على الروابط الاجتماعية وتمزج بين التكافل والعبادة، حتى وإن تراجعت وتأثرت بسبب الأوضاع الاقتصادية إلا أنها تبقى صامدة، نتيجة لما تحدثه من شعور نفسي يصاحبها خاصة خلال شهر رمضان، لأن الخير في المؤمنين قائم إلى قيام الساعة”.
ويرى الصحفي عارف بامؤمن، أن هذه السلوكيات اللافتة والمستمرة على الرغم من الأوضاع الصعبة التي ألقت بظلالها على مختلف نواحي الحياة، تؤكد تمسك المجتمع بعاداته الخيّرة.
وقال في حديثه لـ”إرم نيوز”، إن “الزائر إلى محافظة حضرموت، خصوصًا إلى مناطق تريم وسيئون وغيرها، خلال هذه الأيام، سيلاحظ بشكل واضح مدى التكافل الاجتماعي، سواء من خلال الإفطارات الجماعية في المساجد والأحياء وغيرهما من المشاريع التطوعية، أو من خلال الختومات الرمضانية، وهي عادة تجري فيها زيارات اجتماعية في أيام محددة لكل منطقة، يتم خلالها دعوة الأقارب والأصدقاء لمأدبة الإفطار، ولعل هذه العادة هي الميزة التي تنفرد بها حضرموت في شهر رمضان”.
مبادرات شبابية
ولا يخلو رمضان ، من المبادرات الشبابية التكافلية في مختلف المحافظات بحثًا عن الأسر الفقيرة التي يكتظّ بها البلد، وسط تقديرات تشير إلى أن أكثر من 25 مليون يمني، باتوا يعيشون تحت خط الفقر، جراء تداعيات الحرب، وفقًا لمنظمات الأمم المتحدة.
ويكثف المصور الصحفي، صالح العبيدي، من نشاطه الخيري التطوعي في رمضان، لإغاثة الأسر الفقيرة في محافظات عدن ولحج وأبين، جنوبي البلاد، مستغلًا شهرته الإعلامية الواسعة في مجال التصوير، التي كسبها خلال السنوات الماضية من عمر الحرب اليمنية.
ويقول العبيدي، في حديثه لـ”إرم نيوز”، إن مبادرته التي بدأت قبل أعوام، يتضاعف نشاطها خلال رمضان، وهي تقوم على جمع التبرعات من المغتربين في الخارج أو متبرعين في الداخل، لشراء مواد غذائية ومواد استهلاكية ضرورية، وتوزيعها على الأسر الأشدّ فقرًا، وتوثيق عملية التوزيع ونشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، “وهذا ما جعل ثقة الداعمين ترتفع وتزداد أعدادهم لتتوسع مبادرته وتخرج عن نطاق عدن”.
مشيرًا إلى أن المساعدات الإغاثية التي وزعتها مبادرته خلال الـ6 الأيام الأولى من رمضان الجاري، تخطت 1200 سلة غذائية، في المناطق النائية من المحافظات المستهدفة.
وأكد العبيدي أن لديه فرقًا محلية في المحافظات تقوم برصد الأسر الأشد فقرًا والأيتام والتي يعجز عائلها عن توفير قوت أسرته لأسباب مرضية، وهي الأسر الأكثر استفادة من هذه المبادرة، إلى جانب عمليات الرصد الفورية التي تقوم بها فرق التوزيع للأسر المكافحة.
الحرب وتبعاتها
يعتقد أستاذ علم الاجتماع بجامعة عدن، الدكتور فضل الربيعي، أن استمرار مثل العادات الإنسانية في ظل الظروف الحالية، هو أمر جيد يعبر عن روح التراحم والتعاون، ويحمل أبعادًا إنسانية وأخلاقية واجتماعية، أكثر من الأبعاد المادية.
وقال في حديثه لـ”إرم نيوز”، إن “أبرز أسباب تراجع مثل هذه العادات الإنسانية خلال السنوات الأخيرة، هو الحرب وتبعاتها الاقتصادية والنفسية والاجتماعية، التي أثرت على حياة الناس واستقرارهم، وبالتالي نقلتهم من حالة السكينة والألفة إلى حالة من القلق والتوتر والعوز وأصناف متعددة من المعاناة كانقطاع مصادر الرزق وغيرها، وهذا ما جعل الكثير من الناس مشغول بذاته وأسرته ولم يعد لديه الوفرة لمساعدة الآخرين”.
وأشار الربيعي، إلى أن مثل هذه الظروف، وضغوطات الحياة وزحف القيم المدنية الحديثة التي تسودها الفردانية وحب (الأنا) ويضعف فيها مبدأ (الجماعة)، تنعكس سلبًا على روح التعاون والتآلف داخل المجتمعات، وبالتالي تراجع حالة التكافل الاجتماعي الذي كان دائمًا ما يسود خلال شهر رمضان.
مضيفًا أن بعض هذه العادات الرمضانية، أخذ طابعًا آخر لا تتعلق فوائده بسد حالة العوز أو الاحتياج المادي، كإقامة العزائم والولائم للأقارب والجيران والأصدقاء، وهذا يهدف إلى التقارب والتواصل الاجتماعي، بعيدًا عن تحقيق النفع المادي.