الذكرى ال11 لمجزرة سناح: جريمة وحشية شاهدة على همجية الاحتلال
تزامناً مع حلول الذكرى الحادية عشرة لمجزرة سناح التي وقعت في 27 ديسمبر 2013م، تتجدد مشاعر الحزن والغضب لاستذكار واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال اليمني بحق أبناء الجنوب.
استهدفت هذه المجزرة المدنيين العُزل في منطقة سناح بمحافظة الضالع بقصف مدفعي همجي، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات، معظمهم من النساء والأطفال.
هذه الجريمة ليست سوى واحدة ضمن سلسلة طويلة من الانتهاكات والمجازر التي ارتكبها نظام الاحتلال اليمني، والتي لا تزال حية في ذاكرة الشعب الجنوبي، وتؤكد على الحاجة المستمرة للنضال من أجل تحقيق العدالة واستعادة الحقوق.
تفاصيل المجزرة الوحشية
في ظهيرة يوم الخميس 27 ديسمبر 2013م، كان سكان منطقة سناح بمحافظة الضالع على موعد مع مجزرة رهيبة ارتكبتها قوات الاحتلال اليمني بحق المدنيين الذين تجمعوا في احدى مدارس المنطقة للمشاركة في مجلس عزاء الشهيد فهمي محمد قاسم والذي استشهد هو الآخر بنيران قوات الاحتلال في وقت سابق.
على وقع أصوات قصف مدفعي مكثف شنته قوات الاحتلال عاش السكان في المنطقة لحظات مرعبة وهم يشاهدون القذائف تنهال على رؤوس المدنيين في المدرسة ومن ضمنهم عشرات الأطفال الذين حضروا مجلس العزاء برفقة اباءهم.
كان الهجوم مفاجئاً وعشوائياً، استهدف مجلس العزاء والمنازل المجاورة وألحق دماراً واسعاً في المنطقة،ووفقاً لشهادات سكان محليين، لم يكن هناك أي مبرر عسكري للهجوم، مما يجعله جريمة حرب متعمدة ضد مدنيين عزل بهدف بث الرعب بين المدنيين،ومحاولة يائسة لإنهاء الحراك السلمي الجنوبي المطالب بخروج الاحتلال اليمني وتحرير الجنوب.
أشلاء ممزقة،وجثث متفحمة
أسفر الهجوم عن سقوط أكثر من 60 شهيداً وجريحاً بينهم نساء وأطفال. كما تسبب في تدمير عدة منازل وتشريد العائلات التي لا تزال تعاني حتى اليوم من آثار هذه الجريمة.
تحدث أحد شهود العيان قائلاً:
“رأينا أطفالاً تحترق جثثهم تحت أنقاض المدرسة وكان صراخ النساء يمزق السماء لم يكن هناك رحمة، فقط دمار وألم ورائحة الموت التي خيمت على مكان الجريمة.
يضيف آخر”لم تكتف قوات الاحتلال بالجريمة البشعة بل أنها وفي جريمة أخرى لا تقل بشاعة منعت إسعاف الجرحى والمصابين مستهدفة سيارات الأسعاف التي حاولت الوصول لمكان الجريمة الأمر الذي تسبب في مضاعفة عدد الشهداء وسط حرائق مشتعلة وسحب سوداء من الدخان”.
كان المنظر في ساحة مستشفى النصر مرعباً ورهيباً يقول قحطان أحد الممرضين في المستشفى.
يواصل قحطان سرد ذكرى تلك اللحظات القاسية بقوله”كان السيارات المدنية والدراجات النارية التي أسعفت الضحايا بسبب منع الاحتلال لدخول سيارات الإسعاف تصل تباعاً للمستشفى حاملة جثث الشهداء المتفحمة والكثير من الجرحى أغلبهم من الأطفال الذين يعانون من إصابات بالغة وأعضاء مبتورة وحروق في كل أعضاء الجسم”
عجزت الأجهزة الطبية في المستشفى عن إنقاذ أغلب الجرحى نتيجة لافتقاد المستشفى لأبسط التجهيزات اللازمة بسبب الإهمال المتعمد من قبل نظام الاحتلال وحقده الكبير على محافظة الضالع الأمر الذي تسبب في وفاة الكثير من الجرحى.
دوافع المجزرة الوحشية
لم تكن مجزرة سناح مجرد حادثة معزولة، بل جزءاً من سياسة ممنهجة لقمع أبناء الجنوب وسحق تطلعاتهم نحو الحرية والكرامة،فمنذ حرب 1994م، دأب نظام الاحتلال اليمني على استخدام القتل والتشريد والتدمير كوسائل لإخضاع شعب الجنوب.
عجز الاحتلال اليمني عن إيقاف الحراك السلمي الجنوبي المتصاعد رغم كل القمع والإرهاب الذي مارسه بحق المحتجين الجنوبين،وحملات الاعتقال التي شنها ضد نشطاء الحراك الجنوبي والتعذيب الوحشي لهم في سجون تفتقد لأدنى مقومات الحياة وسط تجاوز صارخ لكل القيم والأعراف والمواثيق الدولية وقوانين حقوق الإنسان.
نتيجة لفشل الاحتلال في اخماد الثورة الجنوبية لجأ الاحتلال لسياسة الإرهاب والقتل الجماعي مرتكباً جرائم حرب بشعة وإبادة جماعية للشعب الجنوبي وكانت مجزرة سناح نموذج لوحشية المحتل واستهتاره بحياة الجنوبيين،ورسالة لهم بأن الاحتلال لن يتردد في إبادتهم في سبيل بقاء الوحدة المزعومة وتكريس الاحتلال.
المسؤولية الدولية والمطالب الحقوقية
تعد مجزرة سناح جريمة حرب مكتملة الأركان وفقاً للقانون الدولي الإنساني الذي يجرم استهداف المدنييين العزل ويصنف استهدافهم كجرائم حرب يجب محاكمة مرتكبي جريمة استهدافهم أمام محكمة الجنايات الدولية باعتبار أن جرائم استهداف المدنيين، وخاصة النساء والأطفال، يشكل انتهاكاً صارخاً لاتفاقيات جنيف وكافة المواثيق الحقوقية.
المؤسف أن المجرمين الذين وجهوا وخططوا ونفذوا هذه الجريمة البشعة أفلتوا من العقاب،ولم تتدخل الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان ومحكمة الجنايات الدولية والمنظمات الإنسانية الدولية في الضغط على قادة الاحتلال لتسليم المتورطين بالجريمة للعدالة الدولية.
رغم مرور 11 عاماً على المجزرة الوحشية مازال مرتكبي الجريمة طلقاء وما يزال ضحايا الجريمة وكل أبناء الجنوب يطالبون المجتمع الدولي، والمنظمات الحقوقية مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، بالتحقيق في مجزرة سناح وتقديم مرتكبيها للعدالة.
هذه المطالب لا تهدف فقط إلى إنصاف الضحايا، بل أيضاً إلى ضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم في المستقبل.
الأبعاد الإنسانية والنفسية للمجزرة
لا تزال آثار مجزرة سناح حاضرة في نفوس الناجين وأسر الضحايا. يعاني العديد منهم من صدمات نفسية عميقة جراء فقدان أحبائهم وتدمير منازلهم. يقول أحد الناجين:
“كلما أسمع صوت قصف، أعود بذاكرتي إلى ذلك اليوم المشؤوم. إنه كابوس لا ينتهي.”
عشرات الأطفال والنساء ممن كانوا شهود عيان على هذه المجزرة الوحشية وذوي الشهداء والجرحى ما زالوا يعانون نفسياً بسبب المناظر الرهيبة والبشعة للمجزرة.
يقول أحد أبناء ضحايا الجريمة”ما تزال تفاصيل تلك الصور المروعة لأجساد الشهداء الممزقة والمحترقة ومنهم والدي ماثلة أمام عيني حتى اللحظة.
يضيف قائلاً”أحياناً أصحو من نومي مرتعباً على أصوات أنين الجرحى واستغاثاتهم من بين الأنقاض،تلك التفاصيل الرهيبة ما زالت تعيش معي وتسبب لي كوابيس مرعبة حتى اليوم.
يتساءل أحمد”من سيعوض ذوي الشهداء والجرحى عن فقدان احباءهم ومن سيدواي جراح المواطنين وآلامهم النفسية خصوصاً ممن عانوا من كوابيس تلك المجزرة الوحشية.”
مجزرة سناح في الذاكرة الجنوبية
إحياء ذكرى مجزرة سناح هو استذكار لتضحيات أبناء الجنوب الذين قدموا أرواحهم دفاعاً عن أرضهم وكرامتهم هذه المناسبة تسلط الضوء على معاناة شعب الجنوب وتضحياته الكبيرة في مواجهة الاحتلال،كما أنها مناسبة لتذكير الأجيال الجديدة بوحشية الاحتلال وتعريفهم بتضحيات الشهداء الجنوبيين وحجم الدماء التي سالت في سبيل حرية الجنوب واستقلاله،وتذكير الاحتلال بأن جرائمه البشعة بحق شعب الجنوب لن تنسى أو تسقط بالتقادم وأن العدالة ستتحقق رغم الصمت والتجاهل المخزي للعالم.
المجزرة ليست مجرد ذكرى أليمة بالنسبة لشعب الجنوب بل دافعاً لمواصلة النضال من أجل استعادة دولة الجنوب كاملة السيادة على حدودها المتعارف عليها قبل 21 مايو 1990م. ويؤكد المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس عيدروس الزبيدي على التزامه بعدم التفريط بتضحيات الشهداء والجرحى والمعتقلين الجنوبيين الذين سقطوا وجرحوا واعتقلوا في سبيل تحرير الجنوب متعهداً بتحقيق تطلعات الشعب الجنوبي في الحرية والاستقلال.
المجزرة شاهدة على تلاحم الشعب الجنوبي.
ما زالت مناظر الحشود المليونية التي زحفت إلى الضالع للمشاركة في تشييع ضحايا الجريمة ماثلة أمام العالم شاهدة على تلاحم الشعب الجنوبي وإحساسهم بوحدة الهدف والمصير.
تزامن موعد تشييع الشهداء مع ذكرى أحداث 13 يناير 1986م.
الزحف المليوني من كل محافظات الجنوب نحو الضالع أثبت أن الشعب الجنوبي طوى صفحات الماضي الأليم وانطلق في طريق التصالح والتسامح الجنوبي بعد أن استلهم العبر والدروس من تلك الفتنة التي كان الاحتلال اليمني عبر أدواته في الجنوب السبب الأول في حدوثها والتي تسببت في دخول الجنوب لاحقاً في وحدة متسرعة وغير مدروسة مع العربية اليمنية.
تبقى مجزرة سناح شاهدة على إجرام محتل همجي تخلى عن القيم والأعراف والمواثيق الدولية متلذذاً بمناظر الأشلاء الممزقة والمحترقة كما أن مشاهدها المروعة والمحفورة في ذاكرة الشعب الجنوبي مذكرة بضرورة توحيد الصفوف الجنوبية في مواجهة التحديات، والعمل على تحقيق العدالة وضمان عدم تكرار مثل هذه الجرائم.
جهود مستمرة لتحقيق العدالة
يقوم المجلس الانتقالي الجنوبي بقيادة الرئيس عيدروس الزبيدي بجهود سياسية ودبلوماسية لتعزيز قضية الجنوب في المحافل الدولية، كما يسعى إلى توثيق جرائم الاحتلال اليمني وإبرازها أمام العالم كدليل على معاناة الشعب الجنوبي.
تجاهلت العدالة الدولية كل الجرائم التي ارتكبها الاحتلال اليمني بحق شعب الجنوب سمح للاحتلال مواصلة جرائمه البشعة والمستمرة حتى اليوم.
رغم الصمت الدولي رفض الشعب الجنوبي الاستسلام واستمر بدفع ثمن حريته واستقلال بلاده من دماء ابناءه وأرواح شبابه التي تسرقها آلة الموت اليمنية.
يثق الجنوبيون أن العدالة ستتحقق ذات يوم وسيحصدون ثمن تضحياتهم ودماءهم التي سالت على مذبح الحرية،مؤكدين أن الجرائم الوحشية والصمت المخزي للعالم تجاه معاناتهم لن تثنيهم عن الهدف الذي ضحوا لأجله بعشرات الآلاف من الشهداء ومئات آلاف من الجرحى والمصابين والمعتقلين.
بقي القول أن مجزرة سناح ليست مجرد جريمة عابرة، بل ذكرى أليمة تعكس معاناة شعب الجنوب وتضحياته في سبيل نيل حريته واستقلاله.
إن إحياء هذه الذكرى واجب وطني لتذكير الأجيال القادمة بتضحيات الشهداء، وتجديد العهد بمواصلة النضال حتى تحقيق تطلعات شعب الجنوب في استعادة دولته المستقلة.
ويبقى شعار كل جنوبي” دماء الشهداء لن تُنسى، وستظل شاهدة على جرائم الاحتلال ودافعاً لتحقيق العدالة.”