اخبــار عدنالرئيسيــةتقـــارير

أزمة الرواتب في عدن ومحافظات الجنوب تفاقم معاناة المواطنين

تقرير …

منارة عدن / مريم بارحمة

تأخير الرواتب يخنق الأسر ويزعزع الاستقرار بالعاصمة عدن والجنوب

تعيش العاصمة عدن ومحافظات الجنوب أزمة مالية خانقة بسبب تأخير صرف رواتب الموظفين الحكوميين لأكثر من شهرين متتاليين، في ظل انهيار مستمر للعملة المحلية وارتفاع جنوني في أسعار المواد الأساسية. وتدهور الخدمات من مياه وكهرباء هذه الأزمات أثقلت كاهل المواطنين، ولا سيما أصحاب الدخل المحدود، ودفع بعضهم إلى أبواب الفاقة والمجاعة، وسط تجاهل حكومي وصمت مطبق من الجهات المسؤولة. في هذا الاستطلاع، نسلط الضوء على أبعاد الأزمة وتأثيراتها الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، ونستعرض آراء المواطنين والمختصين، ونطرح الحلول الممكنة.

-تدهور معيشي واستياء شعبي

يعاني الموظفون في الجنوب من تأخير مستمر في صرف الرواتب الحكومية، حيث وصلت مدة التأخير إلى شهرين أو أكثر في بعض القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة. في الوقت الذي سجلت أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية ارتفاعًا تجاوز 50% مقارنة بالأشهر السابقة، مما جعل تلبية الاحتياجات اليومية أمرًا شبه مستحيل للكثير من الأسر. ورغم تصاعد الاستياء الشعبي، لم تتخذ الحكومة أي إجراءات ملموسة لمعالجة الأزمة أو التخفيف من وطأتها.

-ردود الفعل الشعبية

أعلن الاتحاد العام لنقابات عمال الجنوب الإضراب الشامل ومفتوح بدءاً من يوم الأحد 8 ديسمبر 2024، مع تصعيد يتمثل في الاعتصام المفتوح أمام مقر الحكومة في العاصمة عدن، كخطوة مقبلة يليها العصيان المدني ابتداءً من 16 ديسمبر 2024م، مطالباً بالتحريك الفوري والسريع لهيكل الأجور بما يتناسب مع سعر الصرف، والتحريك الفوري للتسويات والعلاوات القانونية ووقف العبث بالمال العام من خلال إيقاف دفع رواتب بعض موظفي الحكومة بالعملة الصعبة لفئة معينة وبأعداد ضخمة لا تتحملها خزينة الدولة، مشدداً على ضرورة العمل على إيقاف التدهور الكارثي للعملة المحلية وإلزام الحكومة ببرنامج إصلاحي اقتصادي شامل.
وأصبحت عبارة “قطع الأعناق ولا قطع الأرزاق” الشعار الذي يجسد معاناة المواطنين ورفضهم القاطع لاستمرار أزمة تأخير الرواتب.
الأثر الاجتماعي والنفسي والاقتصادي للأزمة

وتتحدث أستاذ علم الاجتماع المساعد د. محسنة سعيد صالح الكازمي، كلية الآداب جامعة عدن، عن انعكاسات تأخير الرواتب على الأفراد والأسر والمجتمع، قائلة:” يؤثر تأخير الرواتب في الأفراد والأسر واستقرارها؛ مما يؤدي إلى مشاكل بين الزوجين بسبب عدم قدرة رب الأسرة على توفير متطلبات المنزل والأسرة، وينعكس على استقرار الأسرة ويؤدي إلى زيادة الخلافات الأسرية، مما قد يؤدي إلى الطلاق والتفكك الأسري، إضافة إلى زيادة الديون حيث تلجأ أغلب الأسر إلى الاقتراض أو بيع ممتلكاتها لتوفير الاحتياجات الأساسية، ما أدى إلى تراكم الديون وزيادة الضغوط النفسية. مما يؤدي إلى تدهور الصحة النفسية ويعاني الموظفون وأسرهم من ضغوط نفسية شديدة نتيجة انعدام الأمن المادي، وهو ما انعكس على استقرار الأسر والمجتمع اجتماعيا ونفسيا واقتصاديا”.

-تأخير الرواتب وأثاره في المجتمع والمؤسسات

بينما الأستاذة عفاف مجاهد أحمد غالب، رئيس قسم الإعلام التربوي في إدارة التربية دار سعد، تتحدث عن أثر تأخير الرواتب على المؤسسات والمجتمع، قائلة: من الأثار تراجع الخدمات حيث أدى غياب الحافز المادي إلى انخفاض كفاءة العمل في المؤسسات الحكومية، خاصة في القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة. وتصاعد الجرائم الصغيرة مثل السرقات، نتيجة تفاقم الحاجة المادية لدى البعض”، مضيفة :”القطاعات الأكثر تضررًا التعليم حيث توقفت معظم المدارس الحكومية عن العمل بسبب إضراب المعلمين، ما أثر على استمرارية العملية التعليمية وتوقيف الامتحانات. كذلك شهدت المرافق الصحية تراجعًا في خدماتها نتيجة تغيب الكوادر الصحية أو تقليص ساعات العمل”.

-تجاهل الحكومة

وبدورها الأستاذة اشراق محمد عبده حنبله ، موجهة تربوية بوزارة الصحة،
تتحدث عن الأسباب الرئيسية للأزمة، قائلة:” ضعف الإدارة المالية: غياب التخطيط والرقابة أدى إلى سوء توزيع الموارد وتأخير الرواتب. الفساد: استشراء الفساد في المؤسسات الحكومية جعل الموارد تُخصص لأغراض غير معلنة على حساب الموظفين. كذلك الاعتماد على المنح الخارجية: تأخر وصول الدعم الدولي أثّر سلبًا على استقرار صرف الرواتب”، مشيرة إلى أن تعامل الحكومة مع الأزمة يتسم بالتجاهل وعدم الشفافية، حيث لم تُقدّم خططًا واضحة لحل الأزمة أو تشرح أسبابها للمواطنين”.

حلول مقترحة للأزمة

ويقترح الخبير الاقتصادي البروفيسور د. حسين الملعسي، رئيس مؤسسة الرابطة الاقتصادية، بعض الحلول لأزمة الرواتب قائلا:”
المصادر المالية الداخلية: على الحكومة تحصيل الموارد العامة للدولة وايداعها في الحسابات المخصصة لها في البنك المركزي.
وقف الهدر في موارد الدولة و تفعيل المصالح والمؤسسات الإيرادية حتى تتمكن من جمع اموال كافية لدفع الاجور .
اعادة تصدير النفط كمصر حاسم للإيرادات الحكومية وبالتالي يمكن من دفع الاجور.
استخدم ادوات مالية ونقدية جاذبة للأموال الى البنك المركزي .
استخدام الموارد من النقد الاجنبي وبيعها مقابل الريال اليمني كمورد مالي لدفع الاجور .
المصادر الخارجية : الحصول على دعم مالي من دول التحالف والبيع بالمزاد مثل المنح والمساعدات. القروض الخارجية من المؤسسات المالية الدولية.
بينما الحلول العاجلة: الحصول على ودائع من السعودية والامارات بشكل اسعافي لدفع الأجور”.

-مكافحة الفساد

بينما يرى الأستاذ التربوي محمد محمود ماطر، أن الحلول تكمن في:
إصلاح الإدارة المالية بوضع خطط زمنية واضحة لصرف الرواتب، مع تحسين إدارة الموارد وتعزيز الشفافية. مكافحة الفساد من خلال تفعيل آليات الرقابة والمحاسبة لضمان توجيه الموارد بشكل عادل. كذلك تنمية الموارد المحلية عن طريق تقليل الاعتماد على الدعم الخارجي من خلال تنشيط الاقتصاد المحلي. كذلك فتح حوار شفاف وقنوات اتصال بين الحكومة والمواطنين لشرح الأزمة وإشراكهم في إيجاد الحلول.

-رسائل المواطنين وتطلعاتهم

ويوجه المواطن الأستاذ فارس سالم الباني، رسالة إلى الحكومة، قائلاً : “نطالب الحكومة بحلول عاجلة وجذرية تعيد لنا كرامتنا وتحمي أسرنا من الانهيار”.
أما رسالته إلى الجهات والمنظمات الدولية، فيقول فيها أ. فارس : “ندعو المجتمع الدولي لدعم الجنوب وشعبه في تحريره واستقلاله وبناء دولته الجنوبية ليعيش شعب الجنوب بكرامة وحرية.”

إن تأخير صرف الرواتب في العاصمة عدن ومحافظات الجنوب يشكّل تحديًا كبيرًا للاستقرار الاجتماعي والنفسي والاقتصادي، ويهدد بانفجار غضب شعبي قد تكون له عواقب وخيمة. المطلوب اليوم هو أن تتخذ الحكومة والقوى الفاعلة خطوات جادة وسريعة لإيجاد حلول مستدامة، تُعيد الثقة للمواطنين وتخفف من معاناتهم المتفاقمة. إن استمرار هذه الأزمة دون حلول سيجعل من استعادة الاستقرار مهمة أصعب وأبعد منالًا.

مشــــاركـــة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى